حينما تسلل ضوء الصباح معلنًا قدوم يوم جديد، نهضت من فراشي، رتبت سريري، توضأت وصليت،
وبعد أن فرغت جلست أردد الأذكار، أطل عليّ زوجي بنظرة حميمية:
- صباح الخير، القهوة.
بسرعة خلعت إسدال الصلاة، ورفعت شعري بمشبكي الذهبي وارتديت عباءتي الفضفاضة؛
فأمامي مهام كثيرة اليوم وعلى رأسها
صينية البسبوسة، فتحت دولاب مطبخي ألتقط علبة السمن بينما يصيح زوجي مطالبًا بفنجان قهوته،
فزعت فقفزت زجاجة الزيت من خلف علبة السمن معترضة على إهمالي لها، وسقطت على الأرض محدثة من الفوضى ما يبعث على الغثيان؛
غرقت الأرض وأطراف عباءتي، لم أستطع أن أفتح فمي من هول الصدمة وانحنيت ألتقط زجاجة الزيت وما تبقى فيها من سائل قليل،
لملمت أطراف ثوبي وقمت لاعنة الزيت على السمن على القهوة،
تذكرت القهوة وبسرعة البرق جاءتني معلومة كنت قد قرأتها عن تنظيف الزيت، فأحضرت كيس ملح ورششته كله على الزيت المسكوب وتركته.
غسلت يدي، وقمت أعد القهوة لزوجي الذي ما إن رآني حتى انفجر ضاحكا وأنا أمسك بطرف عباءتي، وكان يرتدي ربطة عنقه فتركها وأمسك بفنجانه يحتسيه كما يحبه ساخنًا مصاحبًا ذلك بغمزة من عينه:
- مالك عاملة زي "هنومة" كدا ليه؟
زممت شفتي، وعقدت حاجبيّ وأنذرته بإشارة من يدي فاستمر في الضحك، قاطعْته:
- سيبني ف حالي الله لا يسيئك.. الزيت اتقلب وبهدل الدنيا عاوزله ساعتين تنضيف.
رفع يده معتذرًا، وسارع بإنهاء قهوته، وحمل حقيبته وغادر مسرعًا بعد أن شكرني مادحًا قهوتي التي تضبط مزاجه طوال اليوم.
فكرت في حمام دافئ بعد أن أحضرت المناشف الورقية، وجمعت بقايا الملح التي امتصت الزيت كسحر عجيب فلم يترك أي أثر للزيت،
حاولت السيطرة على كل شيء حتى مزاجي الذي بدأ يتغير، فمنيت نفسي بفنجان قهوة بعد إعداد
البسبوسة ووضعها في الفرن،
هدّأتُ الحرارة تماما حتى يتسنى لي الاستمتاع بقهوتي، مضيت إلى الشرفة أستمتع بأشعة الشمس في يوم شتوي بارد، أمسكت بقلمي تلاحقني الخواطر كشلال هادر لا يريد التوقف أبدًا
وفجأة تذكرت البسبوسة، هرولت ناحية المطبخ وأغلقت الموقد، وحمدت الله أن النار كانت هادئة ولكن العجينة تيبست وأصبحت كقطعة صخرية، تمنيت أن تصيبها بعض الطراوة إن سقيتها بالشراب الساخن!
عاد زوجي من العمل دخل المطبخ وألقى نظرة على
صينية البسبوسة، عقد حاجبيه بعد أن وضع إصبعه مختبراً طراوتها فوجدها كقطعة حطب،
خرج ولم ينبس ببنت شفة وبعد أن تناولنا طعام الغداء سألني:
- مفيش حاجة حلوة؟
أجبته بسرعة:
- أجيبلك بسبوسة؟
رد قائلا:
- لا.. أصلي تقلت في الغدا.
وفي المساء:
- اعملي لي كوباية شاي، ومعاها أي حاجة مسكرة.
رددت:
- أجيبلك بسبوسة؟
- لا.. أصلي هنام خفيف.
وفي صباح اليوم التالي:
- أى حاجة سريعة أغير ريقي، وفنجان قهوة.
- أجيبلك حتة بسبوسة؟
- لا.. أصلي كدا هتأخر.
أصابني الإحباط، فصنعت كوبًا من الشاي ووضعت قطعة منها في طبق علّي أستطيع أن أدرك سبب هجرانهم لها، وفي خضم كتاباتي وخواطري نسيت البسوسة والشاي حتى برد،
وظلت البسوسة تطارد الجميع يومًا وراء يوم من الثلاجة إلى منضدة الطعام حتى أصابني اليأس، وعندما فتحت دفتري وقرأت خواطر دونتها صبيحة ذلك اليوم امتننت لها، وشكرت تلك اللحظات التي أمضيتها أسجل خواطري فداء للبسبوسة.
يمية البسبوسة