جديد المنتدى
جديد قسم الحلويات





المواضيع المميزة خصآئص التسجيـل خـواص هامـة رفـع الصـور أقســام عـامة
العودة   منتدي حلاوتهم > > >
القرآن الكريم كل ما يخص القرآن الكريم من تجويد وتفسير وكتابة وحفظ وتحميل واستماع
     
إضافة رد  المفضلة
  التفسير وعلوم القرآن س.ج [ الشيخ أحمد شريف النعسان] 1
  • 154 مشاهده - 0 رد
    أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
      رقم المشاركة : ( 1 )
    قديم 21-03-2022
    امانى يسرى محمد
    ♥~{::. لـيدي حلاوتهم .::}~♥
    امانى يسرى محمد غير متواجد حالياً
    صاحبة الموضوع
    بيانات العضوة
    رقـــم العضويـــة : 4182
    تــاريخ التسجيـل : Mar 2022
    العــــــــمـــــــــر :
    الــــــدولـــــــــــة : مصر
    الــــــمدينـــــــــة : القاهرة
    الحالة الاجتماعية : مطلقة
    الـــــوظيفـــــــــة : مهندسه
    المشاركـــــــــات : 1,139 [+]
    الأصـــــدقـــــــــاء : 0
    عــدد الـــنقــــــاط : 10
    التفسير وعلوم القرآن س.ج [ الشيخ أحمد شريف النعسان] 1 - صاحبة المشاركة njma-monthامانى يسرى محمد


    التفسير وعلوم القرآن س.ج [ الشيخ أحمد شريف النعسان] 1

    التفسير وعلوم القرآن الشيخ أحمد شريف النعسان]


    السؤال :
    ما تفسير قول الله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}؟


    الاجابة:
    يَقُولُ ابنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى عِنْدَ هذهِ الآيَةِ: قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ، وَغَيْرُهُ: يَعْنِي المُنَافِقِينَ، الذِينَ يُصَلُّونَ في العَلَانِيَةِ ولا يُصَلُّونَ في السِّرِّ.
    ولهذا قَالَ: ﴿لِلْمُصَلِّين َ﴾ أي: الذِينَ هُمْ من أَهْلِ الصَّلَاةِ وقد الْتَزَمُوا بِهَا، ثمَّ هُمْ عَنهَا سَاهُونَ، إِمَّا عَن فِعْلِهَا بالكُلِّيَّةِ، كَمَا قَالَهُ ابنُ عَبَّاسٍ، وَإِمَّا عَن فِعْلِهَا في الوَقْتِ المُقَدَّرِ لَهَا شَرْعَاً، فَيُخْرِجُهَا عن وَقْتِهَا بالكُلِّيَّةِ، كَمَا قَالَهُ مَسْرُوقٌ، وَأَبُو الضُّحَى.

    وجَاءَ في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ الذي رواه الإمام مسلم عَن الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي دَارِهِ بِالْبَصْرَةِ حِينَ انْصَرَفَ مِن الظُّهْرِ، وَدَارُهُ بِجَنْبِ الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا دَخَلْنَا عَلَيْهِ قَالَ: أَصَلَّيْتُمُ الْعَصْرَ؟
    فَقُلْنَا لَهُ: إِنَّمَا انْصَرَفْنَا السَّاعَةَ مِن الظُّهْرِ.
    قَالَ: فَصَلُّوا الْعَصْرَ؛ فَقُمْنَا فَصَلَّيْنَا، فَلَمَّا انْصَرَفْنَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: «تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ، حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ، قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعَاً، لَا يَذْكُرُ اللهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً».

    وبناء على ذلك:
    فالآيَةُ تَتَحَدَّثُ عَن المُنَافِقِينَ، وعَن العَذَابِ الشَّدِيدِ الذي تَوَعَّدَ اللهُ تعالى بِهِ الذينَ هُم عَن صَلاتِهِم لاهُونَ، ولا يُقِيمُونَهَا على وَجْهِهَا، ولا يُؤَدُّونَهَا في وَقْتِهَا. هذا، واللهُ تعالى أعلم.


    ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, ,,,,

    السؤال :
    ما تفسير قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوَّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾؟



    الاجابة :
    الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
    فَقَدْ أَخْرَجَ الإِمَامُ التِّرْمِذِيُّ في سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوَّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ﴾.

    قَالَ: هَؤُلَاءِ رِجَالٌ أَسْلَمُوا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَرَادُوا أَنْ يَأْتُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَأَبَى أَزْوَاجُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ أَنْ يَدَعُوهُمْ أَنْ يَأْتُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَتَوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ رَأَوُا النَّاسَ قَدْ فَقِهُوا فِي الدِّينِ هَمُّوا أَنْ يُعَاقِبُوهُمْ؛ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوَّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
    فَمِنْ خِلَالِ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ حَذَّرَ اللهُ تعالى الأُمَّةَ ـ وَخَاصَّةً المُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ ـ أَنَّ مِنْ أَوْلَادِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ مَنْ هُوَ عَدُوٌّ لَهُمْ، كَمَا أَخْبَرَ أَنَّ الأَمْوَالَ وَالأَوْلَادَ فِتْنَةٌ.

    وَالمُرَادُ بِهَذِهِ العَدَاوَةِ أَنَّ العَبْدَ قَدْ يَلْتَهِي بِالزَّوْجَةِ وَالوَلَدِ عَنِ العَمَلِ الصَّالِحِ، وَقَدْ يَكُونُوا سَبَبَاً في قَطِيعَةِ الرَّجُلِ رَحِمَهُ، أَو سَبَبَاً في وُقُوعِهِ في المَعْصِيَةِ، فَيَسْتَجِيبُ لَهُمْ بِدَافِعِ المَحَبَّةِ العَاطِفِيَّةِ وَالفِطْرِيَّةِ.

    وبناء على ذلك:
    فَالزَّوْجَةُ قَدْ تَكُونُ عَدُوَّةً لِزَوْجِهَا، وَذَلِكَ بِصَرْفِهِ عَنِ امْتِثَالِ أَمْرِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهَذَا أَمْرٌ مُشَاهَدٌ، فَكَمْ مِنْ زَوْجَةٍ كَانَتْ سَبَبَاً في عُقُوقِ زَوْجِهَا لِوَالِدَيْهِ، وَسَبَبَاً في قَطِيعَةِ رَحِمِهِ، وَسَبَبَاً في سُكُوتِهِ عَنِ المُنْكَرَاتِ التي يَرَاهَا في بَيْتِهِ، وَخَاصَّةً مِنْ كَشْفِ العَوْرَاتِ، وَلِبَاسِ البَنَاتِ وَالزَّوْجَةِ الثِّيَابَ الفَاضِحَةَ ثِيَابَ أَهْلِ النَّارِ، كَاسِيَاتٍ عَارِيَاتٍ؟

    وَكَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ للوَلَدِ قَدْ يَكُونُ سَبَبَاً في وُقُوعِ وَالِدِهِ في مَعْصِيَةِ اللهِ تعالى، وَهَذَا أَمْرٌ مُشَاهَدٌ كَذَلِكَ، فَكَمْ مِنَ الآبَاءِ وَقَعَ في حِرْمَانِ الإِنَاثِ مِنَ التَّرِكَةِ بِدَافِعٍ عَاطِفِيٍّ نَحْوَ وَلَدِهِ؟ وَكَمْ مِنَ الآبَاءِ مَنْ سَلَكَ طَرِيقَاً لِكَسْبِ المَالِ مِنْ طَرِيقٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ مِنْ أَجْلِ أَوْلَادِهِ؟ وَكَمْ مِنَ الآبَاءِ مَنْ قَطَعَ رَحِمَهُ مِنْ أَجْلِ أَبْنَائِهِ؟

    وَأَمَّا قَوْلُهُ تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ﴾. فَهُوَ أَمْرٌ وَاضِحٌ، فَالمَالُ وَالوَلَدُ اخْتِبَارٌ وَابْتِلَاءٌ، فَإِمَّا أَنْ يَشْكُرَ العَبْدُ رَبَّهُ عَلَى نِعْمَةِ المَالِ وَالوَلَدِ، وَذَلِكَ بِـصَرْفِ المَالِ في الطُّرُقِ الـمَشْرُوعَةِ، وَيُرَبِّي الوَلَدَ عَلَى كِتَابِ اللهِ تعالى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ المَالَ في الطُّرُقِ غَيْرِ المَشْرُوعَةِ، وَيُهْمِلَ تَرْبِيَةَ أَوْلَادِهِ ﴿لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾؟ هذا، والله تعالى أعلم.


    ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, ,,,,,,,,,,,,

    السؤال :
    ما معنى قول الله عز وجل: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوَاً بِغَيْرِ عِلْمٍ}. وماذا يجب على المسلم أن يفعله نحو غير أهل دينه؟


    الاجابة :
    رَبُّنَا عزَّ وجلَّ نَهَى المُؤْمِنِينَ عَن سَبِّ أَوْثَانِ الكُفَّارِ وَأَصْنَامِهِم، لِعِلْمِهِ تعالى أَنَّ المُؤْمِنِينَ إذا سَبُّوهَا ازْدَادَ هؤلاءِ الكُفَّارِ كُفْرَاً ونُفُورَاً، فَيَسُبُّوا المُؤْمِنِينَ بِمِثْلِ مَا سَبُّوهُم بِهِ.

    وحُكْمُ هذهِ الآيَةِ كَمَا قَالَ العُلَمَاءُ بِاقٍ في هذهِ الأُمَّةِ على كُلِّ حَالٍ، فَمَتَى كَانَ الكَافِرُ في مَنَعَةٍ وخِيفَ أَنْ يَسُبَّ الإِسْلامَ أو النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، أو اللهَ عزَّ وجلَّ، فلا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَسُبَّ صُلْبَانَهُم ولا دِينَهُم ولا كَنَائِسَهُم، ولا يَتَعَرَّضَ إلى مَا يُؤَدِّي إلى ذلكَ، لأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ البَعْثِ على المَعْصِيَةِ. هذا، واللهُ تعالى أعلم.


    ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

    السؤال :
    ما تفسير قول الله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمَاً يُؤْمِنُونَ باللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}؟


    الاجابة :
    الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
    فَيَقُولُ اللهُ تعالى في سُورَةِ المُجَادِلَةِ: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمَاً يُؤْمِنُونَ باللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.

    ومَعْنَى الآيَةِ الكَرِيمَةِ: لا يَجْتَمِعُ إِيمَانٌ وَوُدٌّ لأَهْلِ الكُفْرِ الذينَ يُكَذِّبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ، فالعَبْدُ المُؤْمِنُ لا يَكُونُ مُؤْمِنَاً كَامِلاً إلا إذا عَمِلَ بِمُقْتَضَى الإِيمَانِ وَلَوَازِمِهِ، ومن مُقْتَضَى الإِيمَانِ وَلَوَازِمِهِ مَحَبَّةُ أَهْلِ الإِيمَانِ، وبُغْضُ أَهْلِ الكُفْرِ والعِصْيَانِ، وَلَو كَانُوا من أَقْرَبِ النَّاسِ إِلَيْهِ.

    والوُدُّ مَكَانُهُ القَلْبُ لا يَعْلَمُهُ إلا اللهُ تعالى، فالمُؤْمِنُ لا يَمِيلُ بقَلْبِهِ ولا يَكُونُ في قَلْبِهِ وِدَادٌ لأَهْلِ الكُفْرِ والعِصْيَانِ، ولَكِنْ يُعَامِلُهُم في الظَّاهِرِ بالحُسْنَى، وذلكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنَاً﴾. ولِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفَاً﴾. ولِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» رواه الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

    وبناء على ذلك:
    فالمُؤْمِنُ يُخَالِطُ النَّاسَ ويَصْبِرُ على أَذَاهُم، ويُخَالِطُهُم بالمَعْرُوفِ والخُلُقِ الحَسَنِ ظَاهِرَاً وبَاطِنَاً، وأَمَّا بالنِّسْبَةِ لِمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنَّهُ لا يَمِيلُ بِقَلْبِهِ إِلَيْهِ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾. والرُّكُونُ مَحَلُّهُ القَلْبُ، ولَكِنْ يُخَالِطُهُ بالحِكْمَةِ والمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ ظَاهِرَاً. هذا، والله تعالى أعلم.


    ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, ,,,,

    السؤال :
    يقول الله تعالى: ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً﴾. هل هذا يشمل أمة سيدنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ؟


    الاجابة :
    قُولُ اللهُ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.

    جَاءَ في تَفْسِيرِ ابْنِ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً﴾. أَيْ: عَلَى رُكَبِهَا من الشِّدَّةِ والعَظَمَةِ، وَيُقَالُ: إِنَّ هذا إِذَا جِيءَ بِجَهَنَّمَ، فَإِنَّهَا تَزْفُرُ زَفْرَةً لا يَبْقَى أَحَدٌ إلا جَثَا لِرُكَبَتَيْهِ، حَتَّى إِبْرَاهِيمُ الخَلِيلُ، وَيَقُولُ: نَفْسِي، نَفْسِي، نَفْسِي، لا أَسْأَلُكَ اليَوْمَ إلا نَفْسِي، وحَتَّى أَن عِيسَى لَيَقُولُ: لا أَسْأَلُكَ اليَوْمَ إلا نَفْسِي، لا أَسْأَلُكَ مَرْيَمَ التي وَلَدَتْنِي.

    وجَاءَ في تَفْسِيرِ البَحْرِ المَدِيدِ: ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً﴾. من هَيْبَةِ المُتَجَلِّي بِاسْمِهِ القَهَّارِ، لا يَنْجُو مِنْهَا خَاصٌّ ولا عَامٌّ؛ لأَنَّ الطَّبْعَ البَشَرِيَّ يَثْبُتُ عِنْدَ صَدَمَاتِ الجَلَالِ.

    وبناء على ذلك:
    فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً﴾. يَشْمَلُ جَمِيعَ الأُمَمِ، بِمَا فِيهَا أُمَّةَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، لأَنَّ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا﴾. يَعْنِي إلى كِتَابِ أَعْمَالِهَا، فَهُوَ الحَكَمُ فِيهَا، إِنْ كَانَ خَيْرَاً فَخَيْرٌ، وإِنْ كَانَ شَرَّاً فَشَرٌّ، فَيَسْتَبْشِرُ المُجْتَهِدُونَ، ويَحْزَنُ المُبْطِلُونَ ﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدَاً﴾.

    ويُؤَكِّدُ هذا كذلكَ قَوْلُهُ تعالى: ﴿هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾. يَعْنِي كِتَابَ الأَعْمَالِ التي دَوَّنَتْهُ الحَفَظَةُ، وبَعْدَهَا تَأْتِي النَّتَائِجُ لِجَمِيعِ الأُمَمِ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمَاً مُجْرِمِينَ﴾. هذا، واللهُ تعالى أعلم.


    ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, ,,

    السؤال :
    يقول الله تعالى: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}. والسؤال: ما معنى قول الله تعالى: {أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى}؟



    الاجابة :
    الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
    فَقَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ﴾. يَعْنِي: قُلْ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ للمُشْرِكِينَ: هَلْ من هؤلاءِ الشُّرَكَاءِ مَن يَسْتَطِيعُ أَنْ يُرْشِدَ عَابِدِيهِ إلى الحَقِّ بِبَيَانِهِ أَو بِإِلْهَامِهِ؟ فَجَوَابُهُم قَطْعَاً: لا.

    فَإِذا أَجَابُوا بذلكَ، فَقُلْ لَهُمْ: ﴿اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ﴾. وهُوَ وَحْدَهُ الهَادِي إلى الحَقِّ بالأَدِلَّةِ والبَرَاهِينِ، وبِالإِلْهَامِ والتَّوْفِيقِ، ثمَّ يَقُولُ تعالى: ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾. يَعْنِي: أَيُّهُمَا أَوْلَى بالاتِّبَاعِ، الذي يَهْدِي إلى الحَقِّ، ويُبَصِّرُ بَعْدَ العَمَى، أَم الذي لا يَهْدِي إلى شَيْءٍ إلا أَنْ يُهْدَى لِعَمَاهُ وبُكْمِهِ؟ كَمَا قَالَ تعالى إِخْبَارَاً عَن سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئَاً﴾.

    وبناء على ذلك:
    فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى﴾. يَعْنِي: الذي لا يَهْتَدِي ولا يَقْبَلُ الهِدَايَةَ، كَيْفَ يَكُونُ هَادِيَاً غَيْرَهُ؟
    فاللهُ تعالى الذي خَلَقَ الخَلْقَ هَدَاهُمْ وبَيَّنَ لَهُمُ الغَايَةَ من خَلْقِهِمْ، فَقَالَ تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾. وقَالَ تعالى حِكَايَةً عَن سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾. أَمَّا هذهِ الأَصْنَامُ مَا خَلَقَتْ شَيْئَاً، فَضْلاً عَن أَنْ تَكُونَ هَادِيَةً. هذا، واللهُ تعالى أعلم.


    ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,, ,,,,,

    السؤال :
    يقول الله تعالى في سورة الزمر: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. والسؤال: هل الضمير في قوله تعالى: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ}. يعود على الملائكة الحافين من حول العرش؟


    الاجابة :

    الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
    فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. جَاءَ بَعْدَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ * وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرَاً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ * وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرَاً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ للهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾.
    فاللهُ تعالى لَمَّا قَضَى الأَمْرِ، فَدَخَلَ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، وأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، وأَنْزَلَ كُلَّاً في المَحَلِّ الذي يَلِيقُ بِهِ، ويَصْلُحُ لَهُ، أَخْبَرَ تَبَارَكَ وتعالى عَن مَلائِكَتِهِ أَنَّهُم مُحَدِّقُونَ حَوْلَ العَرْشِ المَجِيدِ، يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِم، ويُمَجِّدُونَهُ، ويُعَظِّمُونَهُ، ويُقَدِّسُونَهُ ويُنَزِّهُونَهُ عَن النَّقَائِصِ والجَوْرِ، وَقَد فَصَّلَ القَضِيَّةَ، وَقَضَى الأَمْرَ، وَحَكَمَ بالعَدْلِ؛ ولهذا قَالَ: ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾. أي: بَيْنَ الخَلَائِقِ ﴿بِالْحَقِّ﴾.
    ثمَّ قَالَ: ﴿وَقِيلَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾. أي: وَنَطَقَ الكَوْنَ أَجْمَعُهُ ـ نَاطِقُهُ وَبَهِيمُهُ ـ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، بالحَمْدِ في حُكْمِهِ وَعَدْلِهِ؛ ولهذا لَمْ يُسْنِدِ القَوْلَ إلى قَائِلٍ، بَلْ أَطْلَقَهُ، فَدَلَّ على أَنَّ جَمِيعَ المَخْلُوقَاتِ شَهِدَتْ لَهُ بالحَمْدِ.
    قَالَ قَتَادَةُ: اِفْتَتَحَ الخَلْقَ بالحَمْدِ في قَوْلِهِ: ﴿الْحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ﴾. وَاخْتَتَمَ بالحَمْدِ في قَوْلِهِ: ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.

    وبناء على ذلك:
    فالضَّمِيرُ في قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾. يَعُودُ على البَشَرِ الذينَ قَضَى اللهُ بَيْنَهُم، وسِيقَ كُلُّ قَوْمٍ إلى المَقَامِ الذي يُنَاسِبُهُ، فالمُؤْمِنُونَ حَمِدُوا اللهَ تعالى أَولاً على النِّعَمِ ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ للهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾. ثمَِّ بَعْدَ ذلكَ يَحْمَدُونَ اللهَ تعالى على نِعْمَةِ العِنْدِيَّةِ. هذا، واللهُ تعالى أعلم.



    التفسير وعلوم القرآن الشيخ أحمد شريف النعسان]




    كيف نوفق بين قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾.
    وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ﴾؟
    قَوْلُهُ تعالى عَن سَيِّدِنَا أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾. يُفِيدُ بِأَنَّ سَيِّدَنَا أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ ذلكَ، لِكَوْنِهِ سَبَبَاً، وَتَأَدُّبَاً مَعَ اللهِ تعالى، حَيْثُ نَسَبَ الضُّرَّ للشَّيْطَانِ، وَلَمْ يَنْسِبْهُ للهِ تعالى.لأَنَّ الشَّيْطَانَ يُلْقِي للإِنْسَانِ الوَسَاوِسَ والخَوَاطِرَ التي تُقَنِّطُهُ من رَحْمَةِ اللهِ تعالى، وهذا شَيْءٌ يُتْعِبُ الإِنْسَانَ وَيَضُرُّ بِهِ.
    أَمَّا قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ﴾. فهذا من حَيْثُ الحَقِيقَةُ، لأَنَّ الفَاعِلَ الحَقِيقِيَّ في الوُجُودِ إِنَّمَا هُوَ اللهُ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثَاً﴾.
    وهذا مَا أَكَّدَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَو اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَو اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ» رواه الترمذي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما.
    وبناء على ذلك:

    فَقَوْلُ سَيِّدِنَا أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾. في الحَقِيقَةِ تَأَدُّبٌ مَعَ اللهِ تعالى، كَمَا قَالَ سَيِّدُنَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾. وَكَمَا قَالَ سَيِّدُنَا الخَضِرُ: ﴿فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا﴾.
    أَمَّا الحَقِيقَةُ فالكُلُّ من عِنْدِ اللهِ عزَّ وجلَّ، لِذَا لا تَعَارُضَ بَيْنَ الآيَتَيْنِ. هذا، واللهُ تعالى أعلم.


    ** ** **

    كيف نوفق بين قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾. وقوله تعالى: ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى﴾؟

    فالآيَةُ الأُولَى تُحَذِّرُ المُؤْمِنِينَ من مُوَالاةِ اليَهُودِ والنَّصَارَى، الذينَ هُم أَعْدَاءُ الإِسْلامِ وَأَهْلِهِ، لأَنَّهُم لَنْ يَرْضَوْا عن الأُمَّةِ حَتَّى يَتَهَوَّدُوا أَو يَتَنَصَّرُوا، قَالَ تعالى: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾.
    لِذَا قَالَ رَبُّنَا مُحَذِّرَاً من مُوَالاتِهِم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾. وقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ».

    ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ: «أَلَا لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا» رواه النسائي عَنْ قَيْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
    أَمَّا قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى﴾. فَلَوْ أَتْمَمْتَ القِرَاءَةَ للآيَاتِ التي تَلَتْ هذهِ الآيَةَ لَزَالَ الإِشْكَالُ، قَالَ تعالى: ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى﴾. ثمَّ قَالَ: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانَاً وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ باللهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ اللهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ﴾.

    فَتَمَامُ الآيَاتِ تُبَيِّنُ أَنَّ المُرَادَ بهؤلاءِ الذينَ هُم أَقْرَبُ مَوَدَّةً للذينَ آمَنُوا الذينَ آمَنُوا بِسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ، بَعْدَ أَنْ تَرَكُوا الاسْتِكْبَارَ، وَبَعْدَ أَنْ سَمِعُوا الحَقَّ، وَسَأَلُوا اللهَ تعالى أَنْ يَكْتُبَهُم مَعَ الشَّاهِدِينَ.
    وبناء على ذلك:
    فلا تَعَارُضَ بَيْنَ الآيَتَيْنِ، فالآيَةُ الأُولَى تَنْهَى عَن مُوَالاةِ اليَهُودِ والنَّصَارَى، والآيَةُ الثَّانِيَةُ تَصِفُ طَائِفَةً مِنْهُم كَانُوا أَقْرَبَ مَوَدَّةً للذينَ آمَنُوا، فَأَكْرَمَهُمُ اللهُ تعالى بالإِيمَانِ بِسَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ كَالنَّجَاشِيِّ وَغَيْرِهِ. هذا، واللهُ تعالى أعلم.


    ** ** **

    ما صحة قصة الرجل الذي خطفه رجل وأراد قتله، فقرأ قوله تعالى: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾؟

    قَد جَاءَ في تَفْسِيرِ ابْنِ كَثِيرٍ عِنْدَ هذهِ الآيَةِ، أَنَّهُ ذَكَرَ الحَافِظُ بْنُ عَسَاكِرَ في تَرْجَمَةِ رَجُلٍ، حَكَى عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ دَاودَ الدَّينَوَرِي، المَعْرُوفُ بالدَّقِّيِّ الصُّوفِيِّ قَالَ هذا الرَّجُلُ: كُنْتُ أُكَارِي على بَغْلٍ لي من دِمَشْقَ إلى بَلَدِ الزَّبَدَانِيِّ، فَرَكِبَ مَعِيَ ذَاتَ مَرَّةٍ رَجُلٌ، فَمَرَرْنَا على بَعْضِ الطَّرِيقِ، على طَرِيقٍ غَيْرِ مَسْلُوكَةٍ، فَقَالَ لِي: خُذْ في هذهِ، فَإِنَّهَا أَقْرَبُ. فَقُلْتُ: لا خِبْرَةَ لِي فِيهَا.
    فَقَالَ: بَلْ هِيَ أَقْرَبُ.
    فَسَلَكْنَاهَا، فَانْتَهَيْنَا إلى مَكَانٍ وَعْرٍ وَوَادٍ عَمِيقٍ، وَفِيهِ قَتْلَى كَثِيرٌ، فَقَالَ لِي: أَمْسِكْ رَأْسَ البَغْلِ حَتَّى أَنْزِلَ.
    فَنَزَلَ وَتَشَمَّرَ، وَجَمَعَ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ، وَسَلَّ سِكِّينَاً مَعَهُ وَقَصَدَنِي، فَفَرَرْتُ من بَيْنِ يَدَيْهِ وَتَبِعَنِي، فَنَاشَدْتُهُ اللهَ وَقُلْتُ: خُذِ البَغْلَ بِمَا عَلَيْهِ.
    فَقَالَ: هُوَ لِي، وَإِنَّمَا أُرِيدُ قَتْلَكَ.
    فَخَوَّفْتُهُ اللهَ والعُقُوبَةَ فَلَمْ يَقْبَلْ، فَاسْتَسْلَمْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَقُلْتُ: إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَتْرُكَنِي حَتَّى أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ؟
    فَقَالَ: صَلِّ وَعَجِّلْ.
    فَقُمْتُ أُصَلِّي فَأَرْتِجَ عَلَيَّ القُرْآنُ فَلَمْ يَحْضُرْنِي مِنْهُ حَرْفٌ وَاحِدٌ، فَبَقِيتُ وَاقِفَاً مُتَحَيِّرَاً وَهُوَ يَقُولُ: هيه اُفْرُغْ.
    فَأَجْرَى اللُه عَلَى لِسَانِي قَوْلَهُ تعالى: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾. فَإِذَا أَنَا بِفَارِسٍ قَد أَقْبَلَ من فَمِ الوَادِي، وَبِيَدِهِ حَرْبَةٌ، فَرَمَى بِهَا الرَّجُلَ فَمَا أَخْطَأَتْ فُؤَادَهُ، فَخَرَّ صَرِيعَاً، فَتَعَلَّقْتُ بالفَارِسِ وَقُلْتُ: باللهِ مَنْ أَنْتَ؟
    فَقَالَ: أَنَا رَسُولُ اللهِ الذي يُجِيبُ المُضْطَّرَّ إِذَا دَعَاهُ، وَيَكْشِفُ السُّوءَ.
    قَالَ: فَأَخَذْتُ البَغْلَ والحِمْلَ وَرَجَعْتُ سَالِمَاً.
    وبناء على ذلك:

    فالقِصَّةُ ذَكَرَهَا الإِمَامُ المُفَسِّرُ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في تَفْسِيرِهِ، ولا غَرَابَةَ في ذلكَ، لأَنَّ الكَرَامَاتِ للأَوْلِيَاءِ ثَابِتَةٌ بِنَصِّ القُرْآنِ الكَرِيمِ، والسُّنَّةِ المُطَهَّرَةِ.
    ولا غَرَابَةَ في ذلكَ مَا دَامَ رَبُّنَا عزَّ وجلَّ يَقُولُ: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾. وَيَقُولُ: ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾. هذا، والله تعالى أعلم.


    ** ** **
    في قوله تعالى حكاية عن سيدنا يوسف عليه السلام: ﴿يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقَّاً﴾.
    هل سجد له أبواه وإخوته، أم الإخوة فقط؟
    فَقَوْلُهُ تعالى: حِكَايَةً عَن سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقَّاً﴾. هُوَ وَاضِحٌ لِتَفْسِيرِ الرُّؤْيَا التي رَآهَا عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، كَمَا قَالَ تعالى حِكَايَةً عَنْهُ: ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبَاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾.

    فَعِنْدَمَا الْتَقَى سَيِّدُنَا يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَإِخْوَتِهِ، رَفَعَ أَبَوَيْهِ على العَرْشِ، وَخَرَّ بَعْدَ ذلكَ الجَمِيعُ لَهُ سَاجِدِينَ، أَبَوَاهُ وَإِخْوَتُهُ، وهذا السُّجُودُ كَانَ مَشْرُوعَاً في الأُمَمِ المَاضِيَةِ، وَصَارَ مَنْسُوخَاً في شَرِيعَتِنَا، كَمَا جَاءَ في الحَدِثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام أحمد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَدِمَ مُعَاذٌ الْيَمَنَ ـ أَوْ قَالَ الشَّامَ ـ فَرَأَى النَّصَارَى تَسْجُدُ لِبَطَارِقَتِهَا وَأَسَاقِفَتِهَا، فَرَوَّأَ ـ نَظَرَ وَتَعَقَّبَ ـ فِي نَفْسِهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَحَقُّ أَنْ يُعَظَّمَ.
    فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، رَأَيْتُ النَّصَارَى تَسْجُدُ لِبَطَارِقَتِهَا وَأَسَاقِفَتِهَا، فَرَوَّأْتُ فِي نَفْسِي أَنَّكَ أَحَقُّ أَنْ تُعَظَّمَ.
    فَقَالَ: «لَوْ كُنْتُ آمِرَاً أَحَدَاً أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا».
    وبناء على ذلك:

    فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدَاً﴾. يَعْنِي الآبَاءَ والإِخْوَةَ، وَيُؤَكِّدُ هذا قَوْلُهُ: ﴿هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ﴾. وَكَانَ هذا جَائِزَاً في شَرْعِ مَن قَبْلَنَا، وَمَنْسُوخٌ هُوَ في شَرْعِنَا. هذا، والله تعالى أعلم.



    التفسير وعلوم القرآن الشيخ أحمد شريف النعسان]

    ما هو المقصود بقول الله تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ﴾؟
    يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ﴾. فالمُرَادُ بالزِّينَةِ مَوَاضِعُهَا لا الزِّينَةُ نَفْسُهَا، لِأَنَّ النَّظَرَ إلى أَصْلِ الزِّينَةِ مُبَاحٌ مُطْلَقَاً، فالرَّأْسُ مَوْضِعُ التَّاجِ، والوَجْهُ مَوْضِعُ الكُحْلِ، والعُنُقُ مَوْضِعُ القِلادَةِ، والأُذُنُ مَوْضِعُ القُرْطِ، والسَّاعِدُ مَوْضِعُ السِّوَارِ، بِخِلافِ الظَّهْرِ والبَطْنِ والفَخِذِ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَوْضِعٍ للزِّينَةِ.وبناء على ذلك:
    فَعِنْدَمَا كَانَ الاخْتِلاطُ بَيْنَ المَحَارِمِ أَمْرٌ شَائِعٌ، ولا يُمْكِنُ مَعَهُ صِيَانَةُ مَوَاضِعِ الزِّينَةِ عَن الإِظْهَارِ والكَشْفِ، جَازَ للمَرْأَةِ أَنْ تُظْهِرَ مَوَاضِعَ الزِّينَةِ أَمَامَ مَحَارِمِهَا، وَكُلُّ مَا جَازَ النَّظَرُ إِلَيْهِ مِنْهُنَّ دُونَ حَائِلٍ جَازَ لَمْسُهُ، كُلُّ ذَلِكَ عِنْدَ أَمْنِ الفِتْنَةِ، وإلا فلا يَجُوزُ.
    وَشَدَّدَ المَالِكِيَّةُ والحَنَابِلَةُ في مَسْأَلَةِ عَوْرَةِ المَرْأَةِ أَمَامَ مَحَارِمِهَا، فَقَالُوا: إِنَّ عَوْرَةَ المَرْأَةِ بالنِّسْبَةِ إلى رَجُلٍ مَحْرَمٍ لَهَا هِيَ غَيْرُ الوَجْهِ والرَّأْسِ واليَدَيْنِ والرِّجْلَيْنِ، فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا كَشْفُ صَدْرِهَا وَثَدْيَيْهَا. هذا، والله تعالى أعلم.
    ,,,,,,,,,


    ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾.
    هل هذا الخطاب لنساء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فقط، أم لنساء الأمة كلها؟



    أولاً: يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلَاً مَعْرُوفَاً * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرَاً * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفَاً خَبِيرَاً﴾.
    هذهِ الآيَاتُ الكَرِيمَةُ صُدِّرَتْ بِقَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ﴾. والمَقْصُودُ بِذَلِكَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَنِسَاءُ الأُمَّةِ كُلِّهَا، لِأَنَّهُ لَيْسَ من المَعْقُولِ أَنْ تُنْهَى نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ عَن الخُضُوعِ بالقَوْلِ، ثمَّ يُبَاحَ لِغَيْرِهِنَّ.
    وَلَيْسَ من المَعْقُولِ أَنْ يُؤْمَرْنَ بالقَرَارِ بالبُيُوتِ، وَيُسْتَثْنَى غَيْرُهُنَّ.
    وَلَيْسَ من المَعْقُولِ أَنْ يُنْهَيْنَ عَن التَّبَرُّجِ، وَيُبَاحَ لِغَيْرِهِنَّ.
    وَلَيْسَ من المَعْقُولِ أَنْ يُؤْمَرْنَ بالصَّلاةِ والزَّكَاةِ وَطَاعَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَذِكْرِ آيَاتِ اللهِ والحِكْمَةِ، ثمَّ يُسْتَثْنَى غَيْرُهُنَّ.
    فالخِطَابُ لِنِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَهُنَّ أَهْلٌ للخِطَابِ من اللهِ تعالى مُبَاشَرَةً، ثمَّ من بَعْدِهِنَّ لِنِسَاءِ المُؤْمِنِينَ.

    ثانياً: أَمَّا: ﴿تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾. فَقَد كَانَ بِإِبْدَاءِ المَرْأَةِ من مَحَاسِنِهَا مَا يَجِبُ سَتْرُهُ، حَيْثُ كَانَتْ تَكْشِفُ قَلائِدَهَا وَقُرْطَهَا وَعُنُقَهَا، وَتَلْبِسُ الرَّقِيقَ من الثِّيَابِ، وَتَمْشِي في وَسَطِ الطَّرِيقِ تَعْرِضُ نَفسَهَا على الرِّجَالِ.
    وبناء على ذلك:
    فالآيَةُ الكَرِيمَةُ خِطَابٌ لِكُلِّ مُؤْمِنَةٍ مُسْلِمَةٍ من بَعْدِ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، والتَّبَرُّجُ في الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى كَانَ بِإِظْهَارِ مَفَاتِنِ المَرْأَةِ، كَجَاهِلِيَّةِ اليَوْم، التي هِيَ أَسْوَأُ حَالاً من الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى. هذا، والله تعالى أعلم.
    ,,,,,,,,,

    قَالَ تعالى في سورة المائدة: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾.
    ما هي الحكمة من نفي الرسل عن أنفسهم العلم بقولهم: ﴿لَا عِلْمَ لَنَا﴾؟
    قَوْلُهُ تعالى: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ﴾؟ وَلَمْ يَقُلْ: هَلْ بَلَّغْتُمْ رِسَالَتِي أَمْ لا؟ للإِشْعَارِ بِأَنَّ الرُّسُلَ الكِرَامَ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ قَد بَلَّغُوا رِسَالَةَ اللهِ على أَكْمَلِ وَجْهٍ، وَأَنَّ الذينَ خَالَفُوهُم من أَقْوَامِهِم سَيَتَحَمَّلُونَ وِزْرَ مُخَالَفَتِهِم يَوْمَ القِيَامَةِ.وَأَمَّا قَوْلُهُ تعالى: ﴿قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾. فالسَّبَبُ في نَفْيِ العِلْمِ عَن أَنْفُسِهِم مَعَ أَنَّهُ عِنْدَهُم بَعْضُ العِلْمِ، هذا من بَابِ التَّأَدُّبِ مَعَ اللهِ تعالى، فَكَأَنَّهُم قَالُوا: لا عِلْمَ لَنَا يُذْكَرُ بِجَانِبِ عِلْمِكَ المُحِيطِ بِكُلِّ شَيْءٍ، وَنَحْنُ وَإِنْ كُنَّا قَد عَلِمْنَا شَيْئَاً بِمَا أَجَابَ بِهِ أَقْوَامُنَا، إلا أَنَّ هذا العِلْمَ لا يَتَعَدَّى الظَّاهِرَ، أَمَّا أَنْتَ يَا رَبَّنَا، فَعِلْمُكَ شَامِلٌ للظَّاهِرِ والبَاطِنِ.

    وبناء على ذلك:
    فَنَفْيُ العِلْمِ عَن أَنْفُسِهِم في هذا المَقَامِ مَعْنَاهُ: كَأَنَّهُم قَالُوا: لا عِلْمَ لَنا كَعِلْمِكَ فِيهِم، لأَنَّكَ تَعْلَمُ مَا أَضْمَرُوا وَمَا أَظْهَرُوا، وَنَحْنُ لا نَعْلَمُ إلا مَا أَظْهَرُوا، فَعِلْمُكَ فِيهِم أَنْفَذُ من عِلْمِنَا وَأَبْلَغُ، فَلَنَا الظَّاهِرُ، فَمِنْهُم مَن أَظْهَرَ الإِيمَانَ فَعَامَلْنَاهُ مُعَامَلَةَ المُؤْمِنِينَ، وَمِنْهُم مَن أَظْهَرَ الكُفْرَ فَعَامَلْنَاهُ مُعَامَلَةَ الكَافِرِينَ.
    وهذا كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ﴾. يَعْنِي: لَكُمُ الظَّاهِرُ، واللهُ تعالى يَعْلَمُ الظَّاهِرَ والبَاطِنَ، وَكَقَوْلِهِ تعالى: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ واللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ واللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾. هذا، والله تعالى أعلم.

    ,,,,,,,,,


    ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحَاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾. فما هو عالم البرزخ؟

    قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾. يَعْنِي:أَمَامَهُم، وهذا كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبَاً﴾. يَعْنِي:أَمَامَهُم.
    والبَرْزَخُ هُوَ الحَاجِزُ مَا بَيْنَ الدُّنْيَا والآخِرَةِ، فَمَنْ كَانَ فِيهِ فَهُوَ لَيْسَ مَعَ أَهْلِ الدُّنْيَا في دَارِ العَمَلِ، ولا مَعَ أَهْلِ الآخِرَةِ في دَارِ الجَزَاءِ، وَهُوَ عَالَمٌ غَيْبِيٌّ لا يَعْرِفُ حَقِيقَتَهُ إلا اللهُ تعالى، ثمَّ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الذي أَطْلَعَهُ اللهُ تعالى عَلَيْهِ.

    وبناء على ذلك:
    فَعَالَمُ البَرْزَخِ هُوَ عَالَمٌ حَاجِزٌ بَيْنَ عَالَمِ الدُّنْيَا وعَالَمِ الآخِرَةِ، وَلَهُ زَمَانٌ وَمَكَانٌ، فَزَمَانُهُ من حِينِ مَوْتِ الإِنْسَانِ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَكَانُهُ من القَبْرِ إلى عِلِّيِّينَ لِأَرْوَاحِ أَهْلِ السَّعَادَةِ من المُؤْمِنِينَ، أَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فلا تُفْتَحُ لِأَرْوَاحِهِم أَبْوَابُ السَّمَاءِ، بَلْ هِيَ في سِجِّينٍ مَسْجُونَةٌ، وَبِلَعْنَةِ اللهِ مَصْفُودَةٌ.

    وَذَهَبَ جُمْهُورُ عُلَمَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ، إلى أَنَّ الرُّوحَ تُعَادُ إلى الجَسَدِ بِكَيْفِيَةٍ لا يَعْلَمُهَا إلا اللهُ تعالى، وَيَقَعُ السُّؤَالُ من المَلَكَيْنِ لهذا المَيْتِ في عَالَمِ البَرْزَخِ، وَيَعِيشُ العَبْدُ في عَالَمِ البَرْزَخِ حَيَاةً تَخْتَلِفُ عَن حَيَاتِهِ في عَالَمِ الدُّنْيَا، فَهُوَ إِمَّا مُنَعَّمٌ، وَإِمَّا مُعَذَّبٌ والعِيَاذُ باللهِ تعالى. هذا، والله تعالى أعلم.
    ,,,,,,,,,,,,,


    ما معنى قوله تعالى: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْـحُكْمَ صَبِيَّاً﴾.
    وقوله تعالى: ﴿قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْـمَهْدِ صَبِيَّاً﴾؟


    قَوْلُ اللهِ تَبَارَكَ وتعالى في حَقِّ سَيِدِنَا يَحْيَى عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيَّاً﴾. يَعْنِي: آتَيْنَاهُ العِلْمَ والفَهْمَ للتَّوْرَاةِ، وَلِطَاعَةِ اللهِ عزَّ وجلَّ وَعِبَادَتِهِ في سِنٍّ مُبَكِّرَةٍ، لِأَنَّ هَذِهِ المَسْأَلَةَ مَسْأَلَةُ عَطَاءٍ من اللهِ تعالى، فَهِيَ لا تَخْضَعُ لِلْأَسْبَابِ، لِذَا جَاءَ سَيِّدُنَا يَحْيَى عَلَيْهِ السَّلامُ مُبَكَّرَ النُّضْجِ والذَّكَاءِ، يَفُوقُ أَقْرَانَهُ، وَيَسْبِقُ زَمَانَهُ.
    وَقَد جَاءَ في الأَثَرِ، أَنَّهُ دَعَاهُ أَقْرَانُهُ لِلَّعِبِ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَقَالَ لَهُم: مَا لِلَّعِبِ خُلِقْنَا.

    أَمَّا قَوْلُهُ تعالى في حَقِّ سَيِّدِنَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْـمَهْدِ صَبِيَّاً﴾؟ فَالقَوْمُ لَمْ يَسْتبْعِدُوا أَنْ يَتَكَلَّمَ الوَلِيدُ، لِذَا لَمْ يَقُولُوا: كَيْفَ يَتَكَلَّمُ مَنْ كَانَ فِي الْـمَهْدِ صَبِيَّاً؟ بَل: ﴿قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ﴾. يَعْنِي: نَحْنُ.
    فَسَيِّدُنَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ تَكَلَّمَ وَهُوَ صَبِيٌّ في المَهْدِ، وَوَصَفَ نَفْسَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيَّاً﴾. هذا، والله تعالى أعلم.



    التفسير وعلوم القرآن الشيخ أحمد شريف النعسان]




    من هم المقصودون بقوله تعالى:
    ﴿غَيْرِ الْـمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾؟


    قَوْلُهُ تعالى: ﴿غَيْرِ الْـمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾. يُفِيدُ بِأَنَّ هُنَاكَ فَرِيقَيْنِ من النَّاسِ؛ الفَرِيقُ الأَوَّلُ قَوْمٌ غَضِبَ اللهُ تعالى علَيْهِم، والفَرِيقُ الثَّانِي هُمُ الضَّالُّونَ.

    وَمَن تَتَبَّعَ القُرْآنَ العَظِيمَ فَإِنَّهُ يَجِدُ أَخَصَّ أَوْصَافِ اليَهُودِ الغَضَبَ، قَالَ تعالى: ﴿بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللهُ بَغْيَاً أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاؤُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾. وقَالَ تعالى: ﴿قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانَاً وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾.

    وَيَجِدُ أَخَصَّ أَوْصَافِ النَصَارَى الضَّلالَ، قَالَ تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرَاً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾.
    وبناء على ذلك:
    فَفِي سُورَةِ الفَاتِحَةِ قُسِمَ النَّاسُ إلى ثَلاثَةِ أَقْسَامٍ، قِسْمٌ أَنْعَمَ اللهُ تعالى عَلَيْهِم، وَهُم أَهْلُ طَاعَةِ اللهِ تعالى، وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، المُشَارُ إِلَيْهِم بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقَاً﴾.
    وَقِسْمٌ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِم، وَعَلَى رَأْسِ هَؤُلَاءِ اليَهُودُ، الذينَ فَسَدَتْ إِرَادَتُهُم، فَعَرَفُوا الحَقَّ وَعَدَلُوا عَنْهُ، وَمَن كَانَ هَذَا وَصْفَهُ فَقَد اسْتَحَقَّ الغَضَبَ من اللهِ تعالى.
    وَقِسْمٌ ضَالُّونَ، وَعَلَى رَأْسِ هَؤُلَاءِ النَّصَارَى، الذينَ فَقَدُوا العِلْمَ، وَهَامُوا في الضَّلالِ.
    لِذَا فَإِنَّهُ من الوَاجِبِ عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ وَنَعْمَلَ، وَهَذَا هُوَ سَبِيلُ المُؤْمِنِينَ، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾. وَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَدْعُوَ النَّاسَ جَمِيعَاً إلى العِلْمِ والعَمَلِ مَعَاً لِهِدَايَتِهِم إلى الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ. هذا، والله تعالى أعلم.

    ,,,,,,,,,


    يقول الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوَاً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمَاً﴾.
    لماذا كان الضمير راجعاً للتجارة دون اللهو؟


    قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوَاً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمَاً﴾. في سُورَةِ الجُمُعَةِ إِشَارَةٌ إلى مَا حَصَلَ من الصَّحَابَةِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنهُم، روى الإمام البخاري رَحِمَهُ اللهُ تعالى في صَحِيحِهِ عَن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُما قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَقْبَلَتْ عِيرٌ تَحْمِلُ طَعَامَاً، فَالْتَفَتُوا إِلَيْهَا، حَتَّى مَا بَقِيَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلَاً؛ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ:﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوَاً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمَاً﴾.
    فَقَالَ تعالى: ﴿انْفَضُّوا إِلَيْهَا﴾. وَلَمْ يَقُلْ: انْفَضُّوا إِلَيْهِمَا، لِأَنَّ التِّجَارَةَ واللَّهْوَ عَمَلٌ وَاحِدٌ، وَهُمَا اللذانِ يشْغَلَانِ المُؤْمِنِينَ عَن العِبَادَةِ والذِّكْرِ، أَو لِأَنَّ التِّجَارَةَ أَهَمُّ عِنْدَهُم من اللَّهْوِ، وَلِأَنَّ الحَدَثَ الذي نَزَلَتْ الآيَةُ بِسَبَبِهِ هُوَ مَجِيءُ عِيرِ دِحْيَةَ من الشَّامِ، فَاكْتَفَى عَن ضَمِيرِ اللَّهْوِ. هذا، والله تعالى أعلم.

    ,,,,,,,,,


    يقول الله تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ باللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا واللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾. فما هو المقصود بالعروة الوثقى في هذه الآية الكريمة؟

    وْلُهُ تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ باللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا واللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾. هُوَ خَبَرٌ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى النَّهْيِ، أَيْ: لا تُكْرِهُوا أَحَدَاً على الدُّخُولِ في دِينِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
    والإِكْرَاهُ هُوَ إِلْزَامُ الغَيْرِ فِعْلاً لا يَرَى فِيهِ خَيْرَاً، وَلَكِنْ: ﴿قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾. أَيْ: تَمَيَّزَ الإِيمَانُ من الكُفْرِ بالآيَاتِ الوَاضِحَةِ، وَدَلَّتِ الدَّلائِلُ على أَنَّ الإِيمَانَ رُشْدٌ يُوصِلُ إلى السَّعَادَةِ الأَبَدِيَّةِ، والكُفْرَ غَيٌّ وَضَلالٌ يُوصِلُ إلى الشَّقَاوَةِ السَّرْمَدِيَّةِ؛ والعَاقِلُ مَتَى تَبَيَّنَ لَهُ ذَلِكَ بَادَرَتْ نَفْسُهُ إلى الإِيمَانِ طَلَبَاً للفَوْزِ بالسَّعَادَةِ الأَبَدِيَّةِ، والنَّجَاةِ من الشَّقَاءِ السَّرْمَدِيِّ، لِذَا لَمْ يَحْتَجْ إلى الإِكْرَاهِ والإِلْجَاءِ.
    يَقُولُ ابْنُ عَطَاءِ اللهِ السَّكَنْدَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى في الحِكَمِ: لا يُخَافُ أَنْ تَلْتَبِسَ الطُّرُقُ عَلَيْكَ، إِنَّمَا يُخَافُ من غَلَبَةِ الهَوَى عَلَيْكَ. اهـ.
    فَالطَّرِيقُ وَاضِحَةٌ، والحَقُّ لَائِحٌ، والدَّاعِي قَد أَسْمَعَ، وَمَا التَّحَيُّرُ بَعْدَ هَذَا إلا من العَمَى؛ فَطَرِيقُ السَّيْرِ وَاضِحَةٌ لِمَنْ سَبَقَتْ لَهُ العِنَايَةُ، بَاقِيَةٌ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَكُلُّ مَا سِوَى اللهِ طَاغُوتٌ.
    ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ باللهِ﴾. أَيْ: مَنْ خَلَعَ الأَنْدَادَ والأَوْثَانَ، وَمَا يَدْعُو إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ من عِبَادَةِ كُلِّ مَا يُعْبَدُ من دُونِ اللهِ تعالى، وَوَحَّدَ اللهَ تعالى فَعَبَدَهُ وَحْدَهُ، وَشَهِدَ أَنَّهُ لا إِلَهَ إلا هُوَ ﴿فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾. والمَقْصُودُ بالعُرْوَةِ الوُثْقَى الإِيمَانُ باللهِ تعالى وَرَسُولِهِ والقُرْآنِ.
    وبناء على ذلك:
    فَالعُرْوَةُ هِيَ مَدْخَلُ الزِّرِّ في الثَّوْبِ، وَمَا يُسْتَمْسَكُ بِهِ وَيُعْتَصَمُ، وَالعُرْوَةُ الوُثْقَى في الآيَةِ هِيَ الإِيمَانُ، وَوَصَفَهَا رَبُّنَا جَلَّ وَعلَا بالوُثْقَى لِأَنَّهَا لا تَنْقَطِعُ ولا تَنْفَصِمُ، وَهَذَا اسْتِدْلالٌ بالمُشَاهَدِ المَحْسُوسِ، حَتَّى يَتَصَوَّرَهُ السَّامِعُ كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ بِعَيْنِهِ. هذا، والله تعالى أعلم.

    ,,,,,,,,,


    كيف نوفق بين قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾.
    وقوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾؟


    الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
    فَقَوْلُهُ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللهُ عَنْهَا وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾. هَذَا كَانَ خَاصَّاً في زَمَنِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ زَمَنِ تَنَزُّلِ الوَحْيِ، وَكَانَ رَحْمَةً مِنَ اللهِ تعالى بِالمُسْلِمِينَ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَعْظَمَ المُسْلِمِينَ جُرْمَاً، مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ، فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ» رواه الشيخان عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
    وروى الترمذي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلَاً﴾.
    قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفِي كُلِّ عَامٍ؟
    فَسَكَتَ؛ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفِي كُلِّ عَامٍ؟
    قَالَ: «لَا، وَلَوْ قُلْتُ: نَعَمْ ، لَوَجَبَتْ».
    فَأَنْزَلَ اللهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾.
    وفي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ في الكَبِيرِ، فَغَلِقَ كَلَامُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَغَضِبَ، وَمَكَثَ طَوِيلَاً، ثُمَّ تَكَلَّمَ، فَقَالَ: «مَنْ هَذَا السَّائِلُ؟».
    فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: أَنَا ذَا يَا رَسُولَ اللهِ.
    فَقَالَ: «وَيْحَكَ، مَاذَا يُؤْمِنُكَ أَنْ أَقُولَ نَعَمْ، وَاللهِ لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ، لَوَجَبَتْ، وَلَوْ وَجَبَتْ لَتَرَكْتُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ لَكَفَرْتُمْ؛ أَلَا إِنَّهُ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَئِمَّةُ الْحَرَجِ، وَاللهِ لَوْ أَنِّي أَحْلَلْتُ لَكُمْ جَمِيعَ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ، وَحَرَّمْتُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ خُفِّ بَعِيرٍ لَوَقَعْتُمْ فِيهِ».
    فَنَزَلَتْ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾.
    وروى الشيخان عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا نَبِيَّ اللهِ، مَنْ أَبِي؟
    قَالَ: «أَبُوكَ فُلاَنٌ». وَنَزَلَتْ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾.
    فَكَانَ النَّهْيُ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الأَسْئِلَةِ في زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، لِذَا نُهُوا عَنْ ذَلِكَ رَحْمَةً مِنَ اللهِ تعالى بِهِمْ، فَقَدْ روى الحاكم عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ حَدَّ حُدُودَاً فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَفَرَضَ لَكُمْ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَتَرَكَ أَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ مِنْ رَبِّكُمْ، وَلَكِنْ رَحْمَةٌ مِنْهُ لَكُمْ، فَاقْبَلُوهَا وَلَا تَبْحَثُوا فِيهَا».

    أَمَّا بَعْدَ انْقِطَاعِ الوَحْيِ، وَبَعْدَ تَمَامِ الشَّرِيعَةِ، فَيَجِبُ على كُلِّ مُسْلِمٍ يَجْهَلُ أَمْرَاً مِنْ أُمُورِ الدِّينِ أَنْ يَسْأَلَ العُلَمَاءَ المُخْتَصِّينَ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِ اللهِ تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.
    وبناء على ذلك:
    فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الآيَتَيْنِ الكَرِيمَتَيْنِ، فَالأُولَى عِنْدَ نُزُولِ الوَحْيِ في زَمَنِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ تعالى بِالأُمَّةِ حَتَّى لَا يُفْرَضَ عَلَيْهِمْ أَمْرٌ بِسَبَبِ سُؤَالِهِمْ؛ وَأَمَّا بَعْدَ تَمَامِ الدِّينِ وَانْقِطَاعِ الوَحْيِ، فَلَا بُدَّ مِنَ السُّؤَالِ للتَّعَلُّمِ. هذا، والله تعالى أعلم.



    ما تفسير قول الله تعالى: ﴿وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفَاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابَاً وَسُرُرَاً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفَاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾؟
    يَقُولُ الإِمَامُ القُرْطُبُيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: ذَكَرَ حَقَارَةَ الدُّنْيَا وَقِلَّةَ خَطَرِهَا، وَأَنَّهَا عِنْدَهُ مِنَ الهَوَانِ، بِحَيْثُ كَانَ يَجْعَلُ بُيُوتَ الكَفَرَةِ وَدَرَجَهَا ذَهَبَاً وَفِضَّةً لَوْلَا غَلَبَةُ حُبِّ الدُّنْيَا على القُلُوبِ، فَيَحْمِلُ ذَلِكَ على الكُفْرِ.قَالَ الحَسَنُ: المَعْنَى: لَوْلَا أَنْ يَكْفُرَ النَّاسُ جَمِيعَاً بِسَبَبِ مَيْلِهِمْ إلى الدُّنْيَا وَتَرْكِهِمُ الآخِرَةَ لَأَعْطَيْنَاهُمْ في الدُّنْيَا مَا وَصَفْنَاهُ، لِهَوَانِ الدُّنْيَا عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ وَعَلى هَذَا أَكْثَرُ المُفَسِّرِينَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسدي وَغَيْرُهُم.
    وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾. فِي طَلَبِ الدُّنْيَا وَاخْتِيَارِهَا عَلَى الآخِرَةِ ﴿لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفَاً مِنْ فِضَّةٍ﴾. اهـ.

    وبناء على ذلك:
    فَمَا يُنْعِمُ بِهِ اللهُ تعالى على الكُفَّارِ مِنْ نِعَمِ الدُّنْيَا لَيْسَتْ مُبَارَكَةً مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى، إِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ لَهُمْ، قَالَ تعالى: ﴿سَنَسْتَدْرِج ُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾. وَلَكِنْ وَمَعَ هَذَا لَوْلَا أَنْ يُفْتَنَ النَّاسُ بِدِينِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِضَعْفِهِمْ وَتَأْثِيرِ عَرَضِ الدُّنْيَا في قُلُوبِهِمْ، لَجَعَلَ لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ بُيُوتَاً سُقُفُهَا مِنْ فِضَّةٍ، وَسَلَالِمُهَا مِنْ ذَهَبٍ، وَبُيُوتَاً ذَاتَ أَبْوَابٍ كَثِيرَةٍ، وَقُصُورَاً فِيهَا سُرُرٌ للاتِّكَاءِ، وَفِيهَا زُخْرُفٌ للزِّينَةِ، وَكُلُّ هَذَا رَمْزٌ لِهَوَانِ هَذِهِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، بِحَيْثُ تُبْذَلُ هَكَذَا رَخِيصَةً لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ ﴿وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾. هذا، والله تعالى أعلم.

    <<<<<<<<


    يقول الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾. ما تفسير قول الله تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾؟


    قَدْ شَاءَ اللهُ تعالى أَنْ يَجْعَلَ آيَاتِ القُرْآنِ العَظِيمِ فِيهَا المُحْكَمُ وَفِيهَا المُتَشَابِهُ، وَلَوْ شَاءَ اللهُ أَنْ يَجْعَلَهُ مُحْكَمَاً كُلَّهُ لَجَاءَ مُحْكَمَاً.
    فَالآيَةُ المُحْكَمَةُ هِيَ المُتَعَلِّقَةُ بِالعَقَائِدِ وَالعِبَادَاتِ وَالأَحْكَامِ الأُخْرَى، يَطْلُبُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ خَلْقِهِ العَمَلَ بِهَا، بَعْدَ الإِيمَانِ بِهَا أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللهِ تعالى.
    وَأَمَّا الآيَاتُ المُتَشَابِهَاتُ، مَا طَلَبَ اللهُ تعالى مِنْ عِبَادِهِ إلا الإِيمَانَ بِهَا بِأَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللهِ تعالى.
    وَالعُلَمَاءُ اخْتَلَفُوا في الوَقْفِ عِنْدَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ﴾. فَبَعْضُهُمْ قَالَ: يَقِفُ عِنْدَهَا؛ وَيُعْتَبَرُ مَا جَاءَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَالرَّاسِخُو نَ فِي الْعِلْمِ﴾. كَلَامَاً مُسْتَأْنَفَاً جَدِيدَاً.
    وعلى هَذَا يَقُولُونَ بِأَنَّ الذي يَعْلَمُ تَأْوِيلَ المُتَشَابِهِ، أَو حَقِيقَةَ المُتَشَابِهِ إِنَّمَا هُوَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ. ﴿وَالرَّاسِخُو نَ فِي الْعِلْمِ﴾ لَا يَسَعُهُمْ إلا الإِيمَانَ بِالآيَاتِ المُتَشَابِهَةِ دُونَ مَعْرِفَةِ التَّأْوِيلِ، ثمَّ ﴿يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾.
    وَهُنَاكَ مِنَ العُلَمَاءِ مَنْ عَطَفَ قَوْلَهُ تعالى: ﴿وَالرَّاسِخُو نَ فِي الْعِلْمِ﴾. على قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ﴾. فَيَكُونُ مَعْنَى الآيَةِ: أَنَّ الرَّاسِخِينَ في العِلْمِ يَعْمَلُونَ بِالمُحْكَمِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ للمُتَشَابِهِ عَلِمُوا تَأْوِيلَهُ، وَكَانَتْ نَتِيجَةُ عِلْمِهِمْ قَوْلُهُمْ: ﴿آمَنَّا بِهِ﴾.

    وبناء على ذلك:
    فَالرَّاسِخُونَ في العِلْمِ وَصَلُوا إلى نَتِيجَةٍ حَتْمِيَّةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَالُوا: ﴿آمَنَّا بِهِ﴾. يَعْنِي: بِكُلِّ آيَاتِ الكِتَابِ المُحْكَمَةِ وَالمُتَشَابِهاتِ ﴿كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾. فَعَمِلُوا بِالمُحْكَمِ لِأَنَّهُ هُوَ المَطْلُوبُ مِنْهُمْ، وَآمَنُوا بِالمُتَشَابِهِ لِأَنَّهُ هُوَ المَطْلُوبُ مِنْهُمْ، وَلَيْسَ مَطْلُوبَاً مِنْهُمْ سِوَاهُ، وَللهِ عَزَّ وَجَلَّ في ذَلِكَ حِكْمَةٌ.
    فَعَظَمَةُ الإِيمَانِ في تَنْفِيذِ الآيَاتِ المُحْكَمَةِ وَإِنْ لَمْ تَعْرِفِ العِلَّةَ وَالحِكْمَةَ، لِأَنَّ الآمِرَ حَكِيمٌ، وَأَنْ تُؤْمِنَ بِالمُتَشَابِهِ مِنَ القُرْآنِ بِدُونِ خَوْضٍ في تَشْبِيهٍ، أَو تَمْثِيلٍ، أَو تَكْيِيفٍ، أَو تَعْطِيلٍ، وَتُدْرِجَ الآيَاتِ المُتَشَابِهَةِ تَحْتَ قَوْلِهِ تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾. فَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ مِنَ الرَّاسِخِينَ في العِلْمِ، وإلا كَانَ في قَلْبِهِ زَيْغٌ ـ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى ـ. هذا، والله تعالى أعلم.

    <<<<<<<<<<


    ما تفسير قول الله تعالى: ﴿يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ﴾؟

    قَوْلُهُ تعالى: ﴿قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ للهِ﴾. هُوَ في سُورَةِ المُؤْمِنُونَ؛ وَمَعْنَى قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ﴾. يَعْنِي: أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وتعالى يُغِيثُ الـمُستَغِيثَ بِهِ مِمَّنْ أَرَادَهُ بِشَرٍّ مِنَ المَخْلُوقَاتِ، وَيَمْنَعُهُ مِمَّنْ أَرَادَهُ بِسُوءٍ، وَلَا أَحَدَ مِنَ الخَلْقِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْنَعَ أَحَدَاً مِنَ الخَلْقِ إِذَا أَرَادَهُ اللهُ بِسُوءٍ لَيُنَجِّيَهُ مِنْ بَأْسِ اللهِ وَعِقَابِهِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾.

    وبناء على ذلك:
    فَاللهُ تَبَارَكَ وتعالى يُجِيرُ مَنِ اسْتَجَارَ بِهِ، وَيُغِيثُ مَنِ اسْتَغَاثَهُ، وَلَكِنْ ﴿وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ﴾. لِأَنَّ الذي يُجِيرُكَ مِنَ الخَلْقِ إِنَّمَا يُجِيرُكَ مِنْ مُسَاوٍ لَهُ في القُوَّةِ، فَيَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْنَعَكَ مِنْهُ، وَيَحْمِيَكَ مِنْ بَطْشِهِ، وَلَكِنْ مَنِ الذي يَحْمِي العَبْدَ مِنَ اللهِ تعالى إِذَا أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِهِ أَو يَأْخُذَهُ؟
    لِذَلِكَ يَقُولُ اللهُ تعالى في قِصَّةِ ابْنِ سَيِّدِنَا نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامً: ﴿قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ﴾.
    فَاللهُ تعالى يُجِيرُ من كُلِّ شَيْءٍ وَلَا أَحَدَ يُجِيرُ عَلَيْهِ تَبَارَكَ وتعالى؛ وَمَنْ أَصْبَحَ وَأَمْسَى في جِوَارِ رَبِّهِ فَلَا خَوْفَ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا في حِرْزِكَ وَجِوَارِكَ وَأَمَانِكَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ. هذا، والله تعالى أعلم.

    <<<<<<<<<


    في قول الله تعالى: ﴿تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلَاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾. ما معنى قوله تعالى: ﴿تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلَاً بَيْنَكُمْ﴾؟

    قَدْ حَذَّرَ اللهُ تعالى مِنْ نَقْضِ العُهُودِ وَالأَيْمَانِ، فَقَالَ تعالى: ﴿تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلَاً بَيْنَكُمْ﴾. يَعْنِي: تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ خَدِيعَةً وَمَكْرَاً تَخْدَعُونَ بِهَا النَّاسَ ﴿أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ﴾. أَيْ: لِأَجْلِ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ أَكْثَرَ عَدَدَاً وَأَوْفَرَ مَالَاً مِنْ غَيْرِهَا.
    كَانَ النَّاسُ يُحَالِفُونَ الحُلَفَاءَ، فَيَجِدُونَ أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَعَزَّ، فَيَنْقُضُونَ حِلْفَ هَؤُلَاءِ، وَيُحَالِفُونَ أُولَئِكَ.
    ﴿إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ﴾. أَيْ: يَخْتَبِرُكُمُ اللهُ بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ مِنَ الوَفَاءِ بِالعَهْدِ، لِيَنْظُرَ المُطِيعَ مِنَ العَاصِي ﴿وَلَيُبَيِّنَ نَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾. أَيْ: لِيُجَازِيَ كُلَّ عَامِلٍ بِعَمَلِهِ مِنْ خَيْرٍ أَو شَرٍّ.

    وبناء على ذلك:
    فَقَدْ حَذَّرَ اللهُ تعالى الأُمَّةَ مِنْ نَقْضِ الأَيْمَانِ، وَأَنْ يَجْعَلَهَا النَّاسُ خَدِيعَةً وَمَكْرَاً يُغْرُونَ بِهَا النَّاسَ لِتَحْصِيلِ بَعْضِ المَنَافِعِ الدُّنْيَوِيَّةِ الدَّانِيَةِ. هذا، والله تعالى أعلم.

    <<<<<<<


    يقول تعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ من هم: ﴿أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾؟

    يَقُولُ اللهُ تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقَاً غَلِيظَاً﴾.
    فَهُنَاكَ مَنْ قَالَ بِأَنَّهُمْ هَؤُلَاءِ الذينَ ذُكِرُوا في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ؛ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: أُولُو الْعَزْمِ هُمْ كُلُّ الرُّسُلِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾.

    وبناء على ذلك:
    فَالمَشْهُورُ عِنْدَ العَامَّةِ مِنَ النَّاسِ هُمُ الذينَ ذُكِرُوا في الآيَةِ الكَرِيمَةِ؛ وَبَعْضُ العُلَمَاءِ قَالَ: هُمْ جَمِيعُ الرُّسُلِ، مَا عَدَا سَيِّدَنَا يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِأَنَّ اللهَ تعالى قَالَ: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ﴾. وَقِيلَ: إِنَّ سَيِّدَنَا آدَمَ عَلَيْهِ السلَامُ لَيْسَ مِنْهُمْ، لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمَاً﴾.
    وَالمُهِمُّ أَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ صَبَرَ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ تعالى، وَلَكِنْ أَيْنَ نَحْنُ مِنَ الصَّبْرِ؟ هذا، والله تعالى أعلم.

    <<<<<<


    يقول الله تبارك وتعالى: ﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ﴾. فما معنى: ﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ﴾؟

    قَوْلُهُ تعالى: ﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ﴾: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ المُرَادُ مِنْهُ الرَّافِعَ، أَوْ أَنْ يَكُونَ المُرَادُ مِنْهُ المُرْتَفِعَ.
    فَإِذَا قُلْنَا في قَوْلِهِ تعالى: ﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ﴾: المَقْصُودُ: الرَّافِعُ؛ فَيَكُونُ المَعْنَى أَنَّهُ تَبَارَكَ وتعالى يَرْفَعُ دَرَجَاتِ الأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ في الجَنَّةِ، وَيَرْفَعُ دَرَجَاتِ أَصْحَابِ الأَخْلَاقِ الفَاضِلَةِ، وَيَرْفَعُ العُلَمَاءَ على غَيْرِهِمْ، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ واللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾.

    وَيَرْفَعُ دَرَجَاتِ النَّاسِ في الحَيَاةِ الدُّنْيَا في الخَلْقِ وَفي الرِّزْقِ وَالأَجَلِ، قَالَ تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
    وَأَمَّا إِذَا قُلْنَا في قَوْلِهِ تعالى: ﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ﴾: المَقْصُودُ: المُرْتَفِعُ؛ فَيَكُونُ المَعْنَى: اللهُ تَبَارَكَ وتعالى أَرْفَعُ المَوْجُودَاتِ في جَمِيعِ صِفَاتِ الكَمَالِ وَالجَلَالِ، فَهُوَ وَاجِبُ الوُجُودِ لِذَاتِهِ، وَمَا سِوَاهُ مُمْكِنُ الوُجُودِ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ، قَالَ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾. هذا، والله تعالى أعلم.



    التفسير وعلوم القرآن الشيخ أحمد شريف النعسان]


    يقول الله تعالى: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى المُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرَاً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدَاً﴾.
    لماذا قدم الصغيرة على الكبيرة؟

    ﴿لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا﴾. فِيهِ تَنْبِيهٌ مِنَ اللهِ تعالى لِلْعَبْدِ المُؤْمِنِ بِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مَحْصِيٌّ عَلَيْهِ، وَيَجِبُ أَنْ يَتَنَبَّهَ إلى أَنَّ الصَّغِيرَةَ التي يَظُنُّ أَنَّ لَا قِيمَةَ لَهَا، وَلَا أَثَرَ، مَحْصِيَّةٌ عَلَيْهِ قَبْلَ الكَبَائِرِ، لِأَنَّ العَبْدَ مَا وَقَعَ في الكَبَائِرِ إِلَّا بَعْدَ اسْتِهَانَتِهِ بِالصَّغَائِرِ، وَنَسِيَ بِأَنَّهُ لَا صَغِيرَةَ مَعَ الإِصْرَارِ، وَلَا كَبِيرَةَ مَعَ الاسْتِغْفَارِ.
    وَهَذَا مِصْدَاقُ قَوْلِهِ تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾. وَمِصْدَاقُ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ﴾.
    وروى الطَّبَرَانِيُّ في الكَبِيرِ عَنْ سَعْدِ بْنِ جُنَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُنَيْنٍ، نَزَلْنَا قَفْرَاً مِنَ الْأَرْضِ، لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «اجْمَعُوا، مَنْ وَجَدَ عُودَاً فَلْيَأْتِ بِهِ، وَمَنْ وَجَدَ عَظْمَاً أَوْ شَيْئَاً فَلْيَأْتِ بِهِ».
    قَالَ: فَمَا كَانَ إِلَّا سَاعَةً حَتَّى جَعَلْنَاهُ رُكَامَاً.
    فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «أَتَرَوْنَ هَذَا، فَكَذَلِكَ تَجْتَمِعُ الذُّنُوبُ عَلَى الرَّجُلِ مِنْكُمْ كَمَا جَمَعْتُمْ هَذَا، فَلْيَتَّقِ اللهَ رَجُلٌ، فَلَا يُذْنِبْ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً، فَإِنَّهَا مُحْصَاةٌ عَلَيْهِ».

    وبناء على ذلك:
    فَتَقْدِيمُ ذِكْرِ الصَّغِيرَةِ على الكَبِيرَةِ حَتَّى لَا يَسْتَهِينَ العَبْدُ بِفِعْلِ الصَّغَائِرِ، فَكُلُّ شَيْءٍ مَحْصِيٌّ عَلَيْهِ، قَالَ تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرَاً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرَّاً يَرَهُ﴾.
    فَالإِحْصَاءُ على العَبْدِ حَاصِلٌ لِكُلِّ صَغِيرَةٍ وَكَبِيرَةٍ، وَهَذَا مِصْدَاقُ قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامَاً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾.
    وَمَا اجْتَرَأَ العَبْدُ على فِعْلِ الكَبِيرَةِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ هَانَتْ عَلَيْهِ الصَّغَائِرُ، وَالمُهِمُّ أَنْ يَعْلَمَ العَبْدُ بِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مَحْصِيٌّ عَلَيْهِ ﴿أَحْصَاهُ اللهُ وَنَسُوهُ﴾. ﴿وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابَاً يَلْقَاهُ مَنْشُورَاً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبَاً﴾. هذا، والله تعالى أعلم.



    ما تفسير قوله تعالى:
    ﴿فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾؟

    يَقُولُ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ: ﴿فَلَا تَهِنُوا﴾. أَيْ: لَا تَضْعُفُوا عَنِ الأَعْدَاءِ ﴿وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ﴾. أَيْ: إلى المُهَادَنَةِ وَالمُسَالَمَةِ، وَوَضْعِ القِتَالِ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الكُفَّارِ في حَالِ قُوَّتِكُمْ وَكَثْرَةِ عَدَدِكُمْ وَعُدَدِكُمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ﴾. أَيْ: فِي حَالِ عُلُوِّكُمْ عَلَى عَدُوِّكُمْ؛ فَأَمَّا إِذَا كَانَ الكُفَّارُ فِيهِمْ قُوَّةٌ وَكَثْرَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى جَمِيعِ المُسْلِمِينَ، وَرَأَى الإِمَامُ في المُعَاهَدَةِ وَالمُهَادَنَةِ مَصْلَحَةً، فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَدَّهُ كُفَّارُ قُرَيْشٍ عَنْ مَكَّةَ، وَدَعَوْهُ إِلَى الصُّلْحِ وَوَضْعِ الحَرْبِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ عَشْرَ سِنِينَ، فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ.
    وَقَوْلُهُ: ﴿وَاللهُ مَعَكُمْ﴾. فِيهِ بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ بِالنَّصْرِ وَالظَّفَرِ عَلَى الأَعْدَاءِ؛ ﴿وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾. أَيْ: وَلَنْ يُحْبِطَهَا وَيُبْطِلَهَا وَيَسْلِبَكُمْ إِيَّاهَا، بَلْ يُوَفِّيكُمْ ثَوَابَهَا وَلَا يُنْقِصُكُمْ مِنْهَا شَيْئَاً.

    وبناء على ذلك:
    فَالحَقُّ سُبْحَانَهُ وتعالى يَأْمُرُ الأُمَّةَ فِي حَالِ قُوَّتِهَا أَنْ لَا تَضْعُفَ وَلَا تُهَادِنَ الأَعْدَاءَ، ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا﴾. هَذَا إِذَا هُمْ طَلَبُوا ذَلِكَ، أَو رَأَى الإِمَامُ المَصْلَحَةَ أَنْ يُهَادِنَ مِنْ أَجْلِ حَقْنِ دِمَاءِ المُسْلِمِينَ.
    وَاللهُ تعالى مَعَ المُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ مَعِيَّةَ تَأْيِيدٍ وَحِفْظٍ، وَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ لَا يُنْقِصُ أُجُورَ العَامِلِينَ. هذا، والله تعالى أعلم.



    يقول الله تعالى في سورة الواقعة: ﴿فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ المُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ﴾. فما هو الفارق بين المقربين وأصحاب اليمين؟



    قَدْ ذَكَرَ اللهَ تعالى أَصْنَافَ العِبَادِ عِنْدَ احْتِضَارِهِمْ، فَقَالَ: ﴿فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ المُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ﴾.
    هَذَا الصِّنْفُ الأَوَّلُ، وَهُمُ المُقَرَّبُونَ، أَسْأَلُ اللهَ تعالى أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْهُمْ، وَهُمُ الذينَ أَتَوْا بِالوَاجِبَاتِ وَالفَرَائِضِ وَالمُسْتَحَبَّاتِ، وَتَرَكُوا المُحَرَّمَاتِ، وَتَنَزَّهُوا عَنِ المَكْرُوهَاتِ، وَتَقَرَّبُوا إلى اللهِ تعالى بِالنَّوَافِلِ بَعْدَ الفَرَائِضِ، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ الذي رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ قَالَ: وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ».

    الصِّنْفُ الثَّانِي: قَالَ فِيهِمْ مَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ﴾.
    هَؤُلَاءِ هُمُ الذينَ أَتَوْا بِالفَرَائِضِ وَالوَاجِبَاتِ، وَتَرَكُوا المُحَرَّمَاتِ، لَكِنَّهُم قَصَّرُوا في المُسْتَحَبَّاتِ، وَوَقَعُوا في بَعْضِ المَكْرُوهَاتِ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَيْهَا.

    الصِّنْفُ الثَّالِثُ: قَالَ تعالى فِيهِمْ: ﴿وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ المُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ﴾.
    هَؤُلَاءِ الذينَ كَذَّبُوا القُرْآنَ العَظِيمَ، وَضَلُّوا عَنِ الطَّرِيقِ المُسْتَقِيمِ، وَمَاتُوا على ذَلِكَ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تعالى.

    وبناء على ذلك:
    فَالمُقَرَّبُونَ هُمُ الذينَ حَافَظُوا على الفَرَائِضِ وَالوَاجِبَاتِ، وَتَنَافَسُوا في القُرُبَاتِ وَالخَيْرَاتِ مَعَ المُتَنَافِسِينَ، وَانْطَبَقَ عَلَيْهِم قَوْلُ اللهِ تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ﴾.
    أَمَّا أَصْحَابُ اليَمِينِ، فَهُمُ الذينَ حَافَظُوا على الفَرَائِضِ وَالوَاجِبَاتِ، وَتَرَكُوا المُحَرَّمَاتِ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يُنَافِسُوا المُقَرَّبِينَ بِالنَّوَافِلِ وَالقُرُبَاتِ. هذا، والله تعالى أعلم.




    يقول الله تعالى: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ﴾.
    والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ يقول: «لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ»؟


    جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ مَؤُونَةِ عَامِلِي وَنَفَقَةِ نِسَائِي صَدَقَةٌ».
    وروى الشيخان عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ».
    وروى أبو داود والترمذي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارَاً وَلَا دِرْهَمَاً، إِنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ».
    مِنْ خِلَالِ هَذَا نَعْلَمُ بِأَنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا لِأَبْنَائِهِمْ أَمْوَالَاً، إِنَّمَا وَرَّثُوا لَهُمُ العِلْمَ.
    أَمَّا سَيِّدُنَا سُلَيْمَانَ فَقَدْ أَكْرَمَهُ اللهُ تعالى بِأَنْ جَعَلَهُ نَبِيَّاً بَعْدَ أَبِيهِ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا لسَّلَامُ، وَسُمِّيَ مِيرَاثَاً تَجَاوُزَاً، يَعْنِي أَنَّ اللهَ تعالى هُوَ الذي أَعْطَاهُ ذَلِكَ بِاصْطِفَائِهِ لَهُ، وَلَيْسَ إِرْثَاً حَتْمِيَّاً مِنْ أَبِيهِ كَمَا تُورَثُ الأَمْوَالُ.

    وبناء على ذلك:
    فَالمُرَادُ بِوِرَاثَةِ سَيِّدِنَا سُلَيْمَانَ لِسَيِّدِنَا دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وِرَاثَةُ النُّبُوَّةِ، وَلَو كَانَ المُرَادُ وِرَاثَةَ المَالِ لَاشْتَرَكَ هُوَ وَإِخْوَتُهُ فِيهِ.
    وَمِنْ هَذَا القَبِيلِ دُعَاءُ سَيِّدِنَا زَكَّرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيَّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾. وَمَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ الأَمْرَ لَا يَعْنِينَا بَعْدَ أَنْ خُتِمَتِ النُّبُوَّةُ بسَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. هذا، والله تعالى أعلم.


    كيف نوفق بين قول الله تعالى: ﴿فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ المَوْتَى﴾. وقوله: ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾. وبين قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ»؟


    أولاً: قَوْلُهُ تعالى: ﴿فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ المَوْتَى﴾. تَشْبِيهٌ مِنَ اللهِ تعالى للكُفَّارِ الأَحْيَاءِ أَنَّهُمْ كَالأَمْوَاتِ، لَا مِنْ حَيْثُ انْعِدَامُ الإِدْرَاكِ وَالحَوَاسِّ، بَلْ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ قَبُولِهِمُ الهُدَى وَالإِيمَانَ، وَلَيْسَ المَقْصُودُ أَنَّهُ يُخَاطِبُ المَوْتَى في قُبُورِهِمْ لِيَدْعُوَهُمْ إلى اللهِ تعالى.
    وَهَذَا مُسَطَّرٌ في القُرْآنِ العَظِيمِ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتَاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورَاً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. هَذَا كَانَ مَيْتَاً، أَيْ: في الضَّلَالَةِ، هَالِكَاً جَائِرَاً، فَأَحْيَاهُ اللهُ تعالى بِالإِيمَانِ، وَهَدَاهُ وَوَفَّقَهُ لِاتِّبَاعِ الرُّسُلِ ﴿وَجَعَلْنَا لَهُ نُورَاً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾.
    وَهَذِهِ الآيَةُ كَقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ * إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ﴾.

    ثانياً: أَمَّا سَمَاعُ المَوْتَى وَهُمْ في البَرْزَخِ، فَهَذَا أَمْرٌ مُحَقَّقٌ، كَمَا ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ خَاطَبَ أَهْلَ القَلِيبِ بِقَوْلِهِ: «يَا فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ، وَيَا فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ، أَيَسُرُّكُمْ أَنَّكُمْ أَطَعْتُمُ اللهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقَّاً، فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقَّاً؟».
    قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لَا أَرْوَاحَ لَهَا؟
    فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ» رواه الإمام البخاري عَنْ أَبِي طَلْحَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
    وفي رِوَايَةٍ: «مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ، وَلَكِنْ لَا يُجِيبُونَ».
    وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَى أَهْلِ القُبُورِ بِقَوْلِهِ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ» رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. وَهَذَا خِطَابٌ لِمَنْ يَسْمَعُ وَيَعْقِلُ، فَلَو كَانُوا لَا يَسْمَعُونَ وَلَا يَعْقِلُونَ، لَقَالَ: السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ المَقْبَرَةِ.

    وبناء على ذلك:
    فَالآيَةُ الكَرِيمَةُ: ﴿فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ المَوْتَى﴾. المَقْصُودُ بِهِمُ الكُفَّارُ، فَهُمْ أَمْوَاتُ الأَحْيَاءِ، فَهَؤُلَاءِ لَا يَسْمَعُونَ سَمَاعَ هِدَايَةٍ، لِأَنَّ اللهَ تعالى لَو عَلِمَ فِيهِمْ خَيْرَاً لَأَسْمَعَهُمْ.
    أَمَّا سَمَاعُ المَوْتَى في قُبُورِهِمْ فَهَذَا مُحَقَّقٌ، أَلَمْ يَقُلْ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ»؟ رواه الشيخان عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
    فَالآيَةُ تَتَحَدَّثُ عَنِ الكُفَّارِ، وَلَا عَلَاقَةَ لَهَا بِالمَوْتَى الذينَ مَاتَتْ أَجْسَادُهُمْ. هذا، والله تعالى أعلم.








    التفسير وعلوم القرآن الشيخ أحمد شريف النعسان]



    ما تفسير قول الله عز وجل
    ﴿مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ﴾؟

    أولاً: لِنَعْلَمْ عِلْمَ اليَقِينِ بِأَنَّ الإِضْلَالَ بِيَدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا أَنَّ الهِدَايَةَ بِيَدِهِ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ، فَكَمَا أَنَّ اللهَ تعالى يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَضْلَاً مِنْهُ، فَهُوَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ عَدْلَاً، قَالَ تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿لَوْ يَشَاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعَاً﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَـسَرَاتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾.
    فَلَا شَيْءَ في الوُجُودِ عَلَى الحَقِيقَةِ إِلَّا وَهُوَ مَخْلُوقٌ للهِ تعالى، صَادِرٌ عَنْ إِرَادَتِهِ ﴿اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾. فَاللهُ تعالى هُوَ خَالِقُ الهِدَايَةِ، وَهُوَ خَالِقُ الضَّلَالِ، فَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَضْلَاً، وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ عَدْلَاً.

    ثانياً: إِضْلَالُ اللهِ تعالى لِبَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ يِكُونُ بِالعَدْلِ، فَاللهُ تعالى بَيَّنَ الأَصْنَافَ الذينَ يُضِلُّهُمْ سُبْحَانَهُ وتعالى، قَالَ تعالى: ﴿وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ﴾. وَقَالَ تعالى: ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلَاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلَاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ﴾.

    وبناء على ذلك:
    فَإِغْوَاءُ اللهِ تعالى لِإِبْلِيسَ لَا شَكَّ بِأَنَّهُ صَادِرٌ عَنْ إِرَادَتِهِ تعالى، وَمَا ذَاكَ إِلَّا بِسَبَبِ اسْتِكْبَارِهِ وَفِسْقِهِ، قَالَ تعالى عَنْ إِبْلِيسَ: ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾. وَهَذَا الفُسُوقُ بِسَبَبِ الاسْتِكْبَارِ، وَهَذَا الأَمْرُ جَاءَ بِبَيَانٍ وَاضِحٍ في القُرْآنِ العَظِيمِ: ﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾. فِسْقٌ وَاسْتِكْبَارٌ وَعِنَادٌ وَإِصْرَارٌ؛ فَهَلْ إِضْلَالُهُ ظُلْمٌ أَمْ عَدْلٌ؟ ﴿كُلَّاً نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورَاً﴾. هذا، والله تعالى أعلم.


    يقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾.
    من هم العلماء المقصودون بالآية الكريمة؟
    قَوْلُهُ تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾. يَعْنِي العُلَمَاءَ الذينَ هُمْ أَهْلُ الخَشْيَةِ وَالخَوْفِ مَنَ اللهِ تعالى، فَلَا يَخْشَى اللهَ تعالى إِلَّا العُلَمَاءُ، وَقَدَّمَ لَفْظَ الجَلَالَةِ عَلَى الفَاعِلِ حَتَّى يُفِيدَ أَنَّهُ لَا يَخْشَى اللهَ تعالى إِلَّا العُلَمَاءُ، وَلَو قَدَّمَ الفَاعِلَ لاخْتَلَفَ المَعْنَى، وَلَصَارَ: لَا يَخْشَى العُلَمَاءُ إِلَّا اللهَ، وَهَذَا كَلَامٌ صَحِيحٍ لِأَنَّ هُنَاكَ مِنَ العُلَمَاءِ مَنْ يَخْشَوْنَ غَيْرَ اللهِ تعالى.يَقُولُ المُفَسِّرُ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: أَيْ إِنَّمَا يَخْشَاهُ حَقَّ خَشْيَتِهِ الْعُلَمَاءُ الْعَارِفُونَ بِهِ، لِأَنَّهُ كُلَّمَا كَانَتِ المَعْرِفَةُ لِلْعَظِيمِ القَدِيرِ العَلِيمِ المَوْصُوفِ بِصِفَاتِ الكَمَالِ المَنْعُوتِ بِالأَسْمَاءِ الحُسْنَى، وَكُلَّمَا كَانَتِ المَعْرِفَةُ بِهِ أَتَمَّ وَالْعِلْمُ بِهِ أَكْمَلَ، كَانَتِ الخَشْيَةُ لَهُ أَعْظَمَ وَأَكْثَرَ.

    قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عَبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾. قَالَ: الَّذِينَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
    وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الخَشْيَةُ هِيَ التي تَحُولُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ مَعْصِيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.
    وَقَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ: العَالِمُ مِنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالغَيْبِ، وَرَغِبَ فِيمَا رَغِبَ اللهُ فِيهِ، وَزَهِدَ فِيمَا سَخِطَ اللهُ فِيهِ، ثُمَّ تَلَا الحَسَنُ: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾.

    وبناء على ذلك:
    فَالعُلَمَاءُ بِدِينِ اللهِ تعالى وَشَرِيعَتِهِ، وَالعُلَمَاءُ العَارِفُونَ بِاللهِ تعالى وَبِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَالعُلَمَاءُ بِكِتَابِ اللهِ تعالى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، هَؤُلَاءِ هُمْ أَكْمَلُ النَّاسِ خَشْيَةً مِنَ اللهِ تعالى، وَأَكْمَلُهُمْ تَقْوَى للهِ تعالى.
    وَإِذَا أَرَادَ اللهُ خَيْرَاً بِالعُلَمَاءِ الذينَ يَدْرُسُونَ العُلُومَ الكَوْنِيَّةَ، فَإِنَّهُ يَرْزُقُهُمُ الخَشْيَةَ مِنْهُ.
    فَكُلُّ مَنْ كَانَ بِاللهِ تعالى أَعْلَمَ كَانَ أَكْثَرَ خَشْيَةً مِنْهُ، وَأَوْجَبَتْ لَهُ خَشْيَةُ اللهِ تعالى الابْتِعَادَ عَنِ المَعَاصِي، وَالاسْتِعْدَادَ لِلِقَاءِ اللهِ تعالى؛ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِ العِلْمِ. هذا، والله تعالى أعلم.


    يقول الله تعالى: ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾.
    هل يستفاد من هذه الآية أن النار تجذب الناس إليها جذباً، فمن زحزح عنها فاز؟
    أولاً: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ بِأَنَّهُ مَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ البَشَرِ مَعصُومٌ، عَدَا الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» رواه الحاكم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

    ثانياً: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ بِأَنَّهُ لَنْ يَدْخُلَ أَحَدُنَا الجَنَّةَ بِعَمَلِهِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «لَنْ يُدْخِلَ أَحَدَاً مِنْكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ».
    قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟
    قَالَ: «وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللهُ مِنْهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ» رواه الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

    ثالثاً: يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءَاً يُجْزَ بِهِ﴾.

    وبناء على ذلك:
    فَمَنِ الذي يَنْجُو يَوْمَ القِيَامَةِ سِوَى الذي يُزَحْزِحُهُ اللهُ تعالى عَنِ النَّارِ، وَيُدخِلُهُ الجَنَّةَ؟
    فَالفَوْزُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى دَرَجَتَيْنِ: الأُولَى: أَنْ يُزَحْزَحَ العَبْدُ عَنِ النَّارِ، وَلَو إلى أَهْلِ الأَعْرَافِ؛ هَذَا فَوْزٌ.
    وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يُدْخَلَ الجَنَّةَ؛ فَرَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَقُلْ: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ فَقَدْ فَازَ؛ وَلَمْ يَقُلْ: مَنْ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ؛ بَل جَمَعَ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ فَقَالَ: ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ﴾.
    لِأَنَّ العَبْدَ عِنْدَمَا يَرَى الأَهْوَالَ وَأَلْوَانَ العَذَابِ في النَّارِ، وَيَمُرُّ عَلَيْهَا، ثُمَّ يُنَجِّيهِ اللهُ تعالى مِنْهَا، وَيُدْخِلُهُ الجَنَّةَ لِيَرَى فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَـشَرٍ؛ هَذَا هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ.
    اللَّهُمَّ أَكْرِمْنَا بِهِ. آمين. هذا، والله تعالى أعلم.


    ما هو المقصود من قوله تعالى
    ﴿وَلَا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ﴾؟
    كَلِمَةُ الجَمَلِ تَأْتِي بِمَعْنَاهُ المَعْرُوفِ، الجَمَلُ وَلَدُ النَّاقَةِ، وَتُطْلَقُ عَلَى الحَبْلِ الغَلِيظِ المَفْتُولِ مِنْ حِبَالٍ، فَاللهُ تَبَارَكَ وتعالى يَتَحَدَّثُ عَنِ المُكَذِّبِينَ بِآيَاتِهِ وَالمُسْتَكْبِرِينَ عَلَى شَرِيعَتِهِ، أَنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ، وَلَا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ أَبَدَاً، فَقَالَ تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي المُجْرِمِينَ﴾.يَقُو لُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: هُوَ الجَمَلُ ابْنُ النَّاقَةِ.
    وَيَقُولُ الحَسَنُ البَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: حَتَّى يَدْخُلَ البَعِيرُ في خُرْقِ الإِبْرَةِ.

    وبناء على ذلك:
    فَالمَقْصُودُ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ﴾. هُوَ تَعْلِيقُ دُخُولِهِمُ الجَنَّةَ بِأَمْرٍ مُسْتَحِيلٍ عَقْلَاً وَعَادَةً وَطَبْعَاً، سَوَاءٌ كَانَ الجَمَلَ ابْنَ النَّاقَةِ، أَو الحَبْلَ الغَلِيظَ المَفْتُولَ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَحِيلٌ أَنْ يَدْخُلَ في ثُقْبِ الإِبْرَةِ. هذا، والله تعالى أعلم.

    ما هو تفسير قول الله عز وجل: ﴿قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾؟
    قَدْ وَرَدَ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ أَنَّ سَيِّدَنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ دَعَا عَلَى قَوْمِهِ عِنْدَمَا نَكَلُوا عَنِ القِتَالِ، وَقَالُوا لِسَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾.فَدَعَا عَلَيْهِمْ قَائِلَاً: ﴿رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَـفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾.
    فَقَالَ تعالى: ﴿فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾. فَوَقَعَ بَنُو إِسْرَائِيلَ في التِّيهِ، يَسِيرُونَ دَائِمَاً، لَا يَهْتَدُونَ للخُرُوجِ مِنْهُ.
    وَكَانَتْ فِيهِ أُمُورٌ عَجِيبَةٌ، وَخَوَارِقُ كَثِيرَةٌ، مِنْ تَظْلِيلِهِمْ بِالغَمَامِ، وَإِنْزَالِ المَنِّ وَالسَّلْوَى عَلَيْهِمْ، وَمِنْ إِخْرَاجِ المَاءِ الجَارِي مِنْ صَخْرَةٍ صَمَّاءَ تُحْمَلُ مَعَهُمْ عَلَى دَابَّةٍ، فَإِذَا ضَرَبَهَا مُوسَى بِعَصَاهُ انْفَجَرَتْ مِنْ ذَلِكَ الحَجَرِ اثْنَتَا عَـشْرَةَ عَيْنَاً تَجْرِي لِكُلِّ شِعْبٍ عَيْنٌ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ المُعْجِزَاتِ التي أَيَّدَ اللُه بِهَا مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ.
    وَيَقُولُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ﴾.
    قَالَ: فَتَاهُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، يُصْبِحُونَ كُلَّ يَوْمٍ يَسِيرُونَ لَيْسَ لَهُمْ قَرَارٌ، ثُمَّ ظَلَّلَ عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ فِي التِّيهِ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمُ المَنَّ وَالسَّلْوَى؛ وَهَذَا قِطْعَةٌ مِنْ حَدِيثِ الْفُتُونِ.

    ثُمَّ كَانَتْ وَفَاةُ هَارُونَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ بَعْدَهُ بِمُدَّةِ ثَلَاثِ سِنِينَ مَاتَ مُوسَى الْكِلِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَقَامَ اللهُ فِيهِمْ يُوشَعَ بْنَ نُونٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَبِيَّاً خَلِيفَةً عَنْ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، وَمَاتَ أَكْثَرُ بَنِي إِسْرَائِيلَ هُنَاكَ فِي تِلْكَ المُدَّةِ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ سِوَى يُوشَعَ وَكَالِبَ، وَمِنْ هَاهُنَا قَالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ في قَوْلِهِ: ﴿قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ﴾. هَذَا وَقْفٌ تَامٌّ، وَقَوْلِهِ: ﴿أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾. مَنْصُوبٌ بِقَوْلِهِ: ﴿يَتِيهُونَ في الأَرْضِ﴾.
    فَلَمَّا انْقَضَتِ المُدَّةُ خَرَجَ بِهِمْ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَوْ بِمَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ وَبِسَائِرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْجِيلِ الثَّانِي، فَقَصَدَ بِهِمْ بَيْتَ المَقْدِسِ فَحَاصَرَهَا، فَكَانَ فَتْحُهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ.
    فَلَمَّا تَضَيَّفَتِ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ وَخَشِيَ دُخُولَ السَّبْتِ عَلَيْهِمْ قَالَ: إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ، اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيَّ؛ فَحَبَسَهَا اللهُ تَعَالَى حَتَّى فَتَحَهَا وَأَمَرَ اللهُ يُوشَعَ بْنَ نُونٍ أَنْ يَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ حِينَ يَدْخُلُونَ بَيْتَ المَقْدِسِ أَنْ يَدْخُلُوا بَابَهَا سُجَّدَاً، وَهُمْ يَقُولُونَ حِطَّةٌ، أَيْ حُطَّ عَنَّا ذُنُوبَنَا، فَبَدَّلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ، وَدَخَلُوا يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاهِهِمْ (مَقَاعِدِهِم)، وَهُمْ يَقُولُونَ: حَبَّةٌ فِي شَعْرَةٍ. هذا، والله تعالى أعلم.



    المجيب : الشيخ أحمد شريف النعسان
    موقع الشيخ أحمد شريف النعسان



    التفسير وعلوم القرآن الشيخ أحمد شريف النعسان]




    المصدر : منتدي حلاوتهم - من قسم: القرآن الكريم




    التعديل الأخير تم بواسطة امانى يسرى محمد ; 21-03-2022 الساعة 06:32 AM
    رد مع اقتباس
    إنشاء موضوع جديد إضافة رد

    انتى الان تشاهدى موضوع : {} لموضوع الأصلي : {التفسير وعلوم القرآن س.ج [ الشيخ أحمد شريف النعسان] 1} ? من قسم : {القرآن الكريم}
    الكلمات الدليلة للموضوع: 1, أحلى, التفسير, الشيخ, النعسان], القرآن, س.ج, شريف, [, وعلوم

    أدوات الموضوع
    انواع عرض الموضوع

    الانتقال السريع
    المواضيع المتشابهه
    الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
    أوائل الثانوية العامة 2021 بالأسماء فى الشعبتين علمى وأدبى سارة أحمد المنتدي التعليمي 0 26-08-2021 03:16 AM
    نصائح لحفظ القرآن الكريم سارة أحمد القرآن الكريم 0 01-07-2021 03:04 AM
    أفضل ما قيل في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم سارة أحمد السنة النبوية 13 30-06-2019 10:13 PM
    أعمال تستغفر لك بها الملائكة - الشيخ : محمد المنجد سكون الليل السنة النبوية 1 05-01-2019 08:46 AM


    جميع المشاركات تمثل وجهة نظر كاتبها وليس وجهة نظر الموقع

    Powered by vBulletin® Version 3.8.11
    Copyright ©2000 - 2023, vBulletin Solutions Inc.
    vBulletin Optimisation by vB Optimise (Reduced on this page: MySQL 8.33%).